يقول ابن خلدون (١) :
«إنّ القرآن نزل بلغة العرب ، وعلى أساليب بلاغتهم ؛ فكانوا كلّهم يفهمونه ، ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه».
وقد سبقه أبو عبيدة معمر بن المثنّى ؛ حين قال (٢) :
«إنما نزل القرآن بلسان عربيّ مبين ؛ فلم يحتج السلف ، ولا الذين أدركوا وحيه ، إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يسألوا عن معانيه ؛ لأنهم كانوا عرب الألسن ، فاستغنوا بعلمهم عن المسألة عن معانيه ، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتلخيص».
إلا أن هذا الإطلاق يعارضه قول عمر بن الخطّاب للرسول صلىاللهعليهوسلم (٣) :
«يا رسول الله ، إنّك تأتينا بكلام من كلام العرب ، وما نعرفه ، ولنحن العرب حقّا؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ ربّي علّمني فتعلّمت ، وأدّبني فتأدّبت».
كما يعارضه صريح القرآن ؛ إذ يقول تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل : ٤٤].
نعم .. إن هناك ألفاظا لم تستطع بعض القبائل العربيّة معرفتها ، ربّما لعدم استعمالهم لها ، أو لاحتمال اللفظ عدّة معان ، وكذا بعض آيات أشكل عليهم فهم معناها ؛ وذلك كسؤالهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم لما نزل قوله تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام : ٨٢] ، فقالوا : وأيّنا لم يظلم؟ وفزعوا إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم فبيّن لهم أنّ المراد بالظّلم الشرك ؛ واستدلّ عليه بقوله تعالى : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٤) [لقمان : ١٣].
ولو صح ما ذهب إليه ابن خلدون وأبو عبيدة ، لما كانت حاجة الصحابة إلى تفسير الرسول صلىاللهعليهوسلم. لكنّ تفسير الرسول للقرآن ، وقد ورد في الأحاديث الصحيحة ، بيانا لمعنى
__________________
(١) المقدمة ص ٣٦٧ ط الأزهرية سنة ١٩٣٠.
(٢) «مجاز القرآن» ـ ط ثانية ـ دار الفكر.
(٣) «البرهان في علوم القرآن» للزركشي ١ / ٢٨٤ ط الحلبي تحقيق أبو الفضل إبراهيم ، وقال الصيرفي : ولست أعرف إسناد هذا الحديث ، وإن صح ، فقد دل على أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد عرف ألسنة العرب.
(٤) «الإتقان» للسيوطي ٢ / ٣٣٠ و «البرهان» للزركشي ١ / ١٤.