يوافق عليه هؤلاء أو أولئك من قارئيه ، أو دارسيه. ولكن هذا لا يغض من عظمة هذا البناء الشامخ الذي بناه الطبرسي ، فإن هذا شأن المسائل التي تقبل أن تختلف فيها وجهات النّظر ، فليقرأ المسلمون بعضهم لبعض ، وليقبل بعضهم على علم بعض ، فإن العلم هنا وهناك ، والرأي مشترك ، ولم يقصر الله مواهبه على فريق من الناس دون فريق ، ولا ينبغي أن نظل على ما أورثتنا إيّاه عوامل الطائفية والعنصريّة من تقاطع وتدابر ، وسوء ظن ، فإن هذه العوامل مزوّرة على المسلمين ، مسخّرة من أعدائهم عن غرض لم يعد يخفى على أحد.
إن المسلمين ليسوا أرباب أديان مختلفة ، ولا أناجيل مختلفة ، وإنّما هم أرباب دين واحد ، وكتاب واحد ، وأصول واحدة ، فإذا اختلفوا فإنّما هو اختلاف الرأي مع الرأي ، والرواية مع الرواية ، والمنهج مع المنهج ، وكلّهم طلّاب الحقيقة المستمدة من كتاب الله ، وسنة رسول الله ، والحكمة ضالتهم جميعا ينشدونها من أي أفق.
فأوّل شيء على المسلمين ، وأوجبه على قادتهم وعلمائهم أن يتبادلوا الثقافة والمعرفة ، وأن يقلعوا عن سوء الظن ، وعن التنابز بالألقاب ، والتهاجر بالطعن والسباب ، وأن يجعلوا الحق رائدهم ، والإنصاف قائدهم ، وأن يأخذوا من كل شيء بأحسنه.
(فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ، أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ ، وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١).
محمود شلتوت
__________________
(١) مجمع البيان في تفسير القرآن طبع دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة المجلد الأول ص ١٩ مطبعة مخيمر.