فكان (عليهالسلام) أحفظ الأصحاب لكتاب الله الوهاب. فهذا ابن أبي الحديد يقول : «وأما قراءة القرآن والاشتغال به ، فهو المنظور إليه في هذا الباب. اتفق الكل على أنه يحفظ القرآن على عهد رسول الله ، ولم يكن غيره يحفظ القرآن. إلى أن قال : وإذا رجعت إلى كتب القراءة وجدت أئمة القراءة كلهم يرجعون إليه. إلى أن قال : فقد صار هذا الفن من الفنون التي تنتهي إليه أيضا مثل كثير مما سبق». انتهى.
بل كان نفسه (عليهالسلام) الكتاب الشريف والخطاب اللطيف. أليس هو (عليهالسلام) القائل : «أنا كلام الله الناطق ، وخطابه العزيز الفائق. ومن لم يكن مسلوبا عن عقله وحسه يعلم أن الشخص لا يغفل عن نفسه».
ويرى بعض المفسرين بأنّ الحقائق العلمية تركت لجهود الإنسان وفكره ، حيث أعطاه الله وأودع في عقله أعظم أمانة ألا وهو [الفكر] حيث قال سبحانه : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ ـ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً).
إذن فالإنسان بوجود القرآن والسنة وتراث أهل البيت والفكر الذي وهبه الله له ، وما يستنبطه من تجارب وعلوم واكتشافات قديمة وحديثة ، إنما هي أدلة قاطعة وصريحة تدل بلا شك على وجود الخالق الذي أتقن صنع كل شيء.
لم يكن الغرض من الآيات أن يبين الله لنا ما في الطبيعة من حقائق علمية. كلا فإنّ ذلك موكول إلى عقل الإنسان وتجاربه. وإنما الهدف الأول من ذكرها أن نسترشد بالكون ونظامه إلى وجود الله سبحانه. وأنه لا شيء في هذه الكائنات والمعجزات وجد صدفة وفي غير قصد كما يزعم الماديون. بل وجد بارادة علمية حكيمة ، وقد بيّن الله ذلك صراحة في قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (١).
__________________
(١) سورة فصلت : الآية ٥٣. عن تفسير الكاشف : ص ٣٨.