هذه هي التعاليم التي زخر بها القرآن الكريم ، وهي المنهج الصحيح الذي رسمه الله لحياة إنسانية رفيعة ، لا تتغير بتغير الزمان والمكان ، فمثلها كمثل الشمس والهواء والغذاء لا غنى لأحد عنها ، ولا حياة لأحد بدونها.
فنجد المسلم الذي يقرأ القرآن أو يستمع إليه ينجذب اليه تلقائيا ، لأنّ اسلوبه يدخل إلى أعماق قلبه ، وهو مطمئن تماما بأنه جاء لأرشاده ومصلحته.
٢ ـ والله سبحانه يريد لكلمته أن تذاع وتصل إلى العقول والأسماع ، وتتحول إلى واقع عملي ، ولا يتم ذلك إلّا كانت ميسّرة للذكر والحفظ والفهم ، ولهذا جاء القرآن سهلا ليس فيه ما يشق على الناس فهمه ، أو يصعب عليهم العمل به.
(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١).
ومن تيسيره أن حفظه الرجال والنساء والصغار والكبار والأغنياء والفقراء ، وردّدوه في البيوت والمساجد ، ولا تزال أصوات القراء تدوي في كل ناحية ، ولا نعلم أنّ كتابا من الكتب غير القرآن نال من هذه الميزة بعض ما اختص به القرآن الكريم.
جعلوه غذاء أرواحهم ، وقوت قلوبهم ، وقرة أعينهم.
نفّذوا أحكامه ، وأقاموا حدوده ، وطبقوا شرائعه.
طهرت به نفوسهم ، وصلحت به سرائرهم ، فإذا هم يسبقون كل من عداهم في مضمار الترقي والتقدم ، بلغ هؤلاء ما بلغوا بما أصلح القرآن من نفوسهم ، والنفس إذا صلحت أصلحت كل شيء وأوصلته إلى غاية كماله. وبذلك اعتبر القرآن المساهم الأكبر في عملية التوعية الصحية الحديثة.
٣ ـ ما ثبت ثبوتا قاطعا شهدته الحياة ، وشهد به اعداء هذا الكتاب من إعجازه اعجازا مطلقا ، لأصحاب اللسان الذي نزل به القرآن .. وهم أرباب الفصاحة والبيان ، وأقدر الناس وأقواهم في هذا الميدان ، ميدان التحدي ، فلم يجرؤ أحد منهم ، من شاعر أو خطيب أن يقوم لهذا التحدي ، وأن ينازع القرآن سلطانه القاهر ، الذي
__________________
(١) سورة القمر : الآية ١٧.