فإذا ارتقى عقله درجة أدرك أنه وصف إلهه وصوّره بما لا يحسن ، فيصلح من خطئه.
ثم يرتقي عن ذلك أيضا فيرجع للتغيير والتحوير. وهذا ما تريناه فلسفة التاريخ في جميع أطوار النوع الانساني ، وليس هذا موضوع بحثنا ، فإنا إنما نريد أن نصور لقارئنا الكريم صورة موجزة من صور انفعال قوى النفس وعواطفها لتأثيرات العقيدة بوجود الخالق ، توطئة لإدراك كنه ذلك الأدب الالهي الذي تهبه عقيدة التوحيد والتنزيه على سائر تلك القوى والعواطف.
ولهاتين العقيدتين أثر على نفس معتقدهما من جهة التأديب النفساني والتكميل الخلقي ، لا يدرك خطورته إلّا من أشرقت عليه لمعة من نوره وحفت به نفحة من جلاله. فهما إكسيران إلهيان ، وروحان سماويتان ، تنزلان من النفس الانسانية منزلة الشمس من سمائها ، فتطرد من دياجير الرعونات البشرية وتزيل من أدران المقتضيات السفلية ، ما لا تستقل بوصفه الأقلام ولا تتطلع لمداه الأفهام.
ومتتبع القرآن الكريم يجد حشدا عظيما من الآيات التي تلفت نظر العقلاء بشدة إلى التأمل في كل شيء تتناوله يد البحث العلمي بالدراسة والتأمل ، وحول هذه الأشياء تتجمع حشود العلوم الكونية ، التي ينتقل الباحثون المنصفون المتتبعون للحقيقة من ظواهرها إلى الايمان بالله خالقها ومحكم نظامها ، والايمان بعظيم صفاته جلّ وعلا ، كما ينتفعون منها في مجال حياتهم الدنيا.
فيما يلي طائفة من النصوص الاسلامية الكثيرة التي تدفع الناس إلى البحث العلمي الشامل :
١ ـ قوله تعالى في سورة البقرة : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) (١).
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ٢٣٣.