وإتقان صنعه ، فتنتقل إلى معرفته على أظهر وأصح سبيل ، فتعرفه عليما قديرا سميعا مدبرا ومديرا حكيما ، فلا يجهل شيئا ولا يعجزه شيء ، يفعل ما يفعل لمصالح ومنافع ، وينهى محذرا لمفاسد ووجود مضار ، فكل ذلك يتعلق بخلقه وهو اللطيف الخبير.
ولعل المراد من قوله (ص) : «من عرف نفسه فقد عرف ربّه». هو التلازم بينهما وأنّ النفس حادثة مخلوقة لقادر عليم قديم أزلي ، وإذا عرفت الله سبحانه انتقلت إلى نفسك لشاهد قوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) فمن جهل نفسه فأحرى به أن يجهل ربه ، فهي قضية متبادلة متعاكسة في المبدأ والغاية ، والسبب والمسبب إلى ما هنالك.
وهذه النظرية إضافة إلى كونها غير مقبولة من الناحية الدينية والعقلية ، دحضتها العلوم الحديثة المتطورة كعلم الأجنة ـ كما ذكرنا سابقا ـ وعلم الوراثة الحديث ، حيث أدى إكتشاف (الكروموسومات) و (الجينات) إلى التعرف على صفات وخصائص كل كائن حي ، وهذا ما جعل من نظرية (دارون) خرافة قديمة لا يستساغ سماعها في الوقت الحاضر.
والآن وبعد اكتشاف العلوم الحديثة وأجهزتها المعقدة ، أصبح علم الأجنة يقدم لنا دليلا حيّا وشريطا مصورا ، متناهي الدقة ومتكامل المعالم ، لمختلف مراحل تكوين ونمو الانسان منذ نشأته حتى تكامله ، ممّا أسهم بفاعلية كبيرة في سد الكثير من الثغرات التي كانت موجودة في السابق قبل تطور علم الأجنة الحديث.
وقد بلغ من دقة هذا العلم ـ في الوقت الحاضر ـ انه تمكن بسهولة من متابعة التطورات الجنينية المختلفة للانسان منذ يومه الأول ، يوما بيوم واسبوعا بأسبوع ، وحدد بالضبط أطوار ومراحل النمو الجنينية ، فأصبح بمرور الأيام علما متكاملا كغيره من العلوم الطبية التي ساهمت في تحديث ورقي الطب البشري نحو الأفضل.
ويساهم الآن علم الأجنة ـ كسائر العلوم الطبية الاخرى ـ مساهمة كبيرة في تفسير بعض الآيات القرآنية ، التي تحمل في طياتها إعجازات علمية وإلهية هائلة ، كانت لزمن طويل خافية على الانسان.