ولا ينجيك سوى الصدق ، فأقرّ بما أقرّ به القوم فأغرمهم المال ، وأقاد منهم القتيل».
ونحن إذا رأينا ما يقوم به محققو أيامنا نعلم أنهم ينسجون على منوال الامام الحكيم ، الّلهم إنّ الامام استعمل ذكاءه وفطنته ، وهؤلاء كثيرا ما يستعملون التعذيب ، ليحصلوا من المتهم على الاقرار الذي يبتغونه! ...
ومن ذلك قصة التي ولدت لستة أشهر ، وحادثة المرأة التي زنت وهي حامل ، وقصة التي جحدت ابنها. وهذا الاجتهاد يدل على ما وهب الله لوصي رسول الله (ص) من العلم والذكاء الذي يبلغ حد المعجزة ، ولو لا ذلك لظلم هذا الولد ، لكن الامام (ع) أدرك من ارتباك المرأة أنّ في قضيتها سرا ، وأنّ المرأة إذا كان في قلبها ذرة من الايمان والأنسانية لن تقبل الزواج بابنها ، فكان ذكاؤه وعلمه واجتهاده السبيل إلى حل هذه المعضلة (١).
فهذه القضايا تدل بداهة على ما وهب الله للامام علي (ع) من صفاء العقل ، وذكاء الرأي ، وصفاء الحكمة ، وخلوص النية ، ونقاء الضمير ، بحيث لا تلتاث عليه قضية ، مما جعل عمر بن الخطاب يقول : «لو لا علي لهلك عمر».
وحبّ الامام للعدل ، وتقديسه إيّاه ، جعله يقف أمام قاضي الحكومة مدّعيا بدرع له على خصم يهودي ، ولما لم تتوافر له الأدلة خسر الدعوى فلم يتبّرم ، ولم يتذمّر ، ولو لا إقرار اليهودي بصحة ادعاء الامام ، ما تراجع القاضي عن حكمه.
ولتقديسه العدالة ، باشر تنفيذ الحدّ بنفسه على والي الكوفة ـ الوليد بن عقبة ابن أبي معيط ـ يوم ثبت أنّه يتعاطى الخمر!
وصدق الله العلي العظيم حين قال سبحانه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) (٢).
__________________
(١) للمزيد من الإطلاع يراجع كتاب «قضاء أمير المؤمنين» للشيخ محمد التستري.
(٢) سورة القيامة : الآيتان ٣ و ٤.