ذلك هو منطق الغريزة المسعورة ، والغريزة لا ضمير لها ولا وفاء ، ولا ثبات لحكمها ولا دوام ، وذلك هو حكم ازدواج الشخصية ، فإنّ المرء المستسلم لغريزته لا بدّ وأن يتقمص في ذاته شخصيتين متباينتين :
(حيوانية) تؤثر الانطلاق ، وهذه التي تبتدئ الشوط بخداع الفريسة لإخراجها إلى الميدان.
و (ايديولوجية) تقدس القيم ، وهذه تجيء في نهاية الشوط ، وعلى يدها يتم نحر الفريسة. (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (١).
ألا ترى انصراف الشبان عن الزواج الشرعي هذا الانصراف الكبير؟ ميوعة وتحلل ، وازدواج في الشخصية ، وترهل في الخلق وضعف في الارادة ، وخور عن احتمال العظائم من الامور ، ومسخ في معالم الرجولة.
هذه مواريث الاختلاط والانطلاق مع الشهوات والقاء الحبل على الغارب فيها ، فهل يرغب الشاب منا أن يهبط إلى هذا الدرك ، وأن يحتم على مستقبله بهذا الخسار؟. ودع عنك العقبى التي يتحدث عنها الدين وينذر بها الناس أجمعين ، عقبى الجرأة على الله سبحانه بانتهاك حدوده وارتكاب محرماته.
ولقد رأينا بأبصارنا ما يصدق هذا القول في الغرب نفسه ، في الغرب الذي ابتدع هذه البدع واختط هذه الخطط ، ثم سار عليها وسار على أثره المولعون منا ومن غيرنا بالتقليد.
رأينا ما يصدق ذلك في فرنسا نموذج الغربيين في التهتك والانحلال والفساد والخلاعة ، وقدوتهم في الانطلاق ، حين أدركتها الحرب العالمية الثانية ولم تبق فيها الخلاعة من سمات البطولة والرجولة شيئا يستحق التقدير ، نعم رأينا هذه الدولة حين أدركتها هذه الحرب كيف طأطأت رأسها لأول لطمة ، ورفعت يديها عند أول هجمة ،
__________________
(١) سورة الحشر : الآية ١٦.