كيف رفعت يديها كلتيهما لتتقي وتستسلم في آن واحد ، شيمة الخاشع الضارع الذي لا يقوى دفعا ولا يملك نفعا؟!
نعم وهكذا تفعل الميوعة وهكذا يصنع التحلل وهمود النخوة وخمود الجذوة. طأطأت للذل والاستكانة دولة كانت تزعم أنها ثانية دول الدنيا في القوة وأولاها في التمدين ، ولم تعدل من موقفها جيوش جرارة من حلفائها تخف لنصرها ، وأدوات جبارة تقف في ظهرها ، فهل نطمع في تجربة أكبر من هذه التجربة؟ وستكشف الليالي عن تجارب وتجارب تذكر للعبرة وتسجّل للتأريخ.
ستكشف الأيام ذلك ولا محيد ، وسيراه الراؤون ، فإنّ غاية الشيء لا تنقطع عنه ، ولا بدّ من ظهورها في أعقابه متى تمهدت لها الفرصة ، وصحت لها المناسبة. وليست الكارثة كارثة فرد أو أفراد ، ولو كانت كارثة فرد لأمكن الاستغناء عنه ، بل ولوجب أن يستغنى عنه كما يجب قطع العضو الموبوء عن الجسد السليم. إنّها ليست كارثة أفراد ولكنها كارثة امة ، وكارثة الامة ماحقة ساحقة لا يمكن التغاضي عنها ، ولا يسوغ التساهل فيها.
ومن المقرر الذي لا يرتابون في ثبوته أنّ الافراط في الناحية الجنسية له تأثير مباشر كبير في عرقلة النشاط العقلي على الخصوص. وقد قالوا : «إنّ العقل يحتاج إلى وجود غدد جنسية حسنة النمو ، وكبت مؤقت للشهوة الجنسية حتى يستطيع أن يبلغ منتهى قوته» (١).
كل هذا ثابت ، وقد قرره العلم ولم يبق فيه مجال لريبة ولا موضع لجدل ، فكان من حق الاسلام أن ينظم نشاط هذه الغريزة ، وأن يحدد من جماحها حفظا للتوازن في الانسان ، ومعادلة بين طاقاته وضروراته! وكان من حق الاسلام أن يتدخل في أمر الغريزة إنقاذا للقوة العقلية من الضعف ، وصونا للنشاط العقلي من التردي والانهيار.
__________________
(١) انظر كتاب [الانسان ذلك المجهول] تأليف الدكتور الكسيس كاريل العالم الفرنسي المعروف ، وتعريب شفيق أسعد فريد : ص ١٧٤.