على ما يريد وفق أحكامه الخاصة المطلقة ، وحسب الصلاحيات والدساتير الإلهية التي وضعها بنفسه ولمصلحته.
هذا (الفرعون) إذا أردنا أن ندرس ونحلل حالته النفسية طبقا لما وصلتنا من الأخبار عن طريق : القرآن والسنة والأئمة الأطهار (ع) ، نجده إنساسا غير طبيعي ، غلبت عليه بعض الأفكار والحالات النفسية الغير طبيعية ، حتى جعلت منه في النهاية إنسانا مريضا تقوده تلك الأفكار والحالات ، ولا يستطيع أن يفكر بأي شيء إلّا وفق هذه التصورات والمعايير.
ومما زاد الطين بلة هو أنّ الزمرة المحيطة به كانت تصور له الامور ، وتقدم له الخدمات ، وكأنّه إله حقا وحقيقة ، وأنّ المخالفين له ما هم إلّا اناس كفرة يستحقون العذاب والموت.
القرآن الكريم صوّر لنا (فرعون) بآيات عديدة ، وعرض علينا بعض أفكاره وآرائه وأحكامه وتصرفاته الشخصية والعامة ، مع الناس ومع النبي موسى (ع) بشكل خاص ، بأسلوب علمي لطيف يوضح بجلاء الحالة النفسية التي وصل إليها (فرعون) عند ما ادّعى الربوبية.
والآن وبعد مقارنة الأفكار التي كان يحملها (فرعون) والحالة النفسية التي آل إليها ، حسبما جاءت على لسان القرآن الكريم مع علم النفس الطبي الحديث ، يتوضح لنا المرض النفسي الذي ألمّ بفرعون نتيجة الغرور والكبرياء والربوبية المزيفة التي سيطرت عليه ، عند ما اتيحت له الفرصة ليحكم مصر ، حيث نرى أنّ (فرعون) وبتأثير تلك الأفكار الشاذة ، والظروف النفسية المعقدة التي أحكمت الطوق عليه وعلى حاشيته المنافقة ، يتصرف بقسوة وعنف قال الله عنها : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (١).
__________________
(١) سورة القصص : الآية ٤.