وحياة هذه الام الوالهة ، بحيث تتصرف مثل هذا التصرف المخالف لطبيعتها وأخلاقها وعرفها.
ففي هذه الآية الكريمة يصف الله سبحانه وتعالى قيام الساعة وما يرافقها من وقائع ملؤها العظمة والرهبة والخوف ، بحيث أنّ تلك الام المسكينة تنشغل عن رضيعها المحبوب بما هو أهم وأكثر تأثيرا منه ، وذلك من هول الصدمة التي تتعرض لها عند رؤيتها لمنظر قيام الساعة ، الأمر الذي يجعلها تتصرف خلاف غريزتها وطبيعتها التوّاقة لاحتضان وإرضاع وليدها.
هذه الحالة تعتبر من الناحية النفسية والطبية حالة انقلاب شديد وعنيف على الواقع الذي كانت تسلكه الام خلال حياتها العادية ، وحالة اضطراب نفسي مفاجيء يجعلها تترك أعز ما لديها ، وتنشغل بانشداد للواقع الجديد الذي حدث أمامها ، وأدّى بها الى هذا التبدل المفاجىء والمخالف لغريزتها كام.
هذا الانقلاب النفسي الحاد الذي صوره الله لنا في هذه الآية ، يمثل قمة التصوير الفني الذي يوضح لنا المعنى المراد من الآية من خلال طرح العلاقة المعروفة بين الام ورضيعها ، وهذه الحالة تعرف طبيا ب (Phobic Psycho Neurosis).
هذه الصورة الاولى ، أما الصورة الثانية ، فحين تضع كل حمل حملها ، لأنّ شدة تأثير مشهد قيام الساعة لا يشغل ـ فقط ـ الام المرضعة عمّا ترضع ، وانما يترك أثرا شديدا وخوفا عنيفا وفزعا عظيما على المرأة الحامل ، فيؤدي ذلك إلى حدوث تقلصات في عضلات البطن والرحم. تؤدي في النهاية إلى اسقاط الجنين من بطنها بتأثير الخوف المفزع ، علما بأنّ هذا الخوف أو الرهبة من منظر قيام الساعة ، ليس بالشيء الطبيعي الذي تتحمله المرأة الحامل ، وإنما هو خوف عظيم يفوق طاقتها وتحملها النفسي والجسمي ، وله تأثير عصبي مباشر على الجهاز العصبي ، بحيث يؤدي إلى تقلص العضلات المذكورة بصورة عنيفة وسريعة ، مما ينتج عنه حالة إجهاض مفاجئة.