يتصرف السكير هو خليط من الهلوسة (Hallucination) التي تصيب بعض الناس نتيجة تعرضهم لضغوط نفسية عديدة ، وآلام وأفكار تجعل من حياتهم عرضة للخطر ، فيتصرفون وفق آراء مغايرة للواقع الذي كان يعيشونه ، ممّا يؤدي بهم في النهاية إلى سلوك طريق مغاير للمجتمع الذي انسلخوا عنه تدريجيا.
أو نتيجة تسلط فكري مشبع بآراء غير منطقية لا وجود لها في الواقع ، وإنما في مخيلة المصاب فقط (Ellusion) وهذه الآراء المتسلطة تسبب له مشاكل مستقبلية ، وتؤدي إلى انفصاله تدريجيا عن المجتمع نتيجة لا نطوائه وتعلقه بتلك الآراء الخاطئة التي تصورها في نفسه فقط ، لأنّ الآية الكريمة تقول في الختام : (وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللهِ شَدِيدٌ). لأنّ السكر لم يكن واقعا بالفعل ، وإنما شدة العذاب جعلتهم يتصرفون تصرف السكارى.
أما الصورة الرابعة التي يعرضها الله علينا خلال تلك اللحظات من عمر الأنسان ، حيث يقول جلّ شأنه في سورة المعارج : (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ).
بهذه اللوحة الدقيقة المعالم والتصوير ، ذات التعبير الرائع ، يعرض علينا القرآن هذه الصورة الفريدة من نوعها ، التي تخالف العادات والقيم التي اعتاد عليها البشر ولا زال يلتزم بها في علاقاته العائلية والاجتماعية والعشائرية ، التي كانت تسيطر عليه وتسوده منذ نشأته الاولى وحتى الممات.
فالأب يحنو على طفله الصغير ، ويصرف الوقت والمال لكي ينمو ويترعرع في كنفه وتحت رعايته ، ويندفع نحو العمل ليلا ونهارا في سبيل إسعاد زوجته وإرضائها وتوفير العيش الكريم لها من مأكل وملبس ومشرب وكل ما تحتاجه ، بفضل الرابطة الربانية والحب الالهي الذي أوجده الله فيما بينهما منذ أيام الاقتران الاولى.
والأخ يحنو على أخيه ويساعده في كل شيء ، ويحمل الكثير من همومه وآلامه ، حتى يصبح قادرا على تحمل مصاعب الحياة.