على شىء من دون بيان التكليف. ويشهد له : حكم العقلاء كافّة بقبح مؤاخذة المولى عبده على فعل ما يعترف بعدم إعلامه أصلا بتحريمه.
ودعوى : أنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل بيان عقلي فلا يقبح بعده المؤاخذة ، مدفوعة : بأنّ الحكم المذكور على تقدير ثبوته لا يكون بيانا للتكليف المجهول المعاقب عليه ، وإنّما هو بيان لقاعدة كلّية ظاهريّة وإن لم يكن في مورده تكليف في الواقع ، فلو تمّت عوقب على مخالفتها وإن لم يكن تكليف في الواقع ، لا على التكليف المحتمل على فرض وجوده ؛ فلا تصلح القاعدة لورودها على قاعدة القبح المذكورة بل قاعدة القبح واردة عليها ؛ لأنّها فرع احتمال الضرر أعني العقاب ، ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان. فمورد قاعدة دفع العقاب المحتمل هو ما ثبت العقاب فيه ببيان الشارع للتكليف فتردّد المكلّف به بين أمرين ، كما في الشبهة المحصورة وما يشبهها.
______________________________________________________
وانتشار الأحكام وما بعده ، فسلّم قبح التكليف بلا بيان في الأوّل ، ومنعه في الثاني. وذلك لأنّ التكليف بلا بيان على وجوه : أحدها : أن يكلّف الشارع من دون بيان ، مع مانع من بيانه كما عرفته من مسألة النبوّة. وثانيها : أن يكلّف بلا بيان ، مع عدم المانع من قبله ولا من قبل المكلّف. وثالثها : أن يكلّف من دون بيان مع وجود المانع من قبل المكلّف ، بأن أرسل الله سبحانه رسولا ، فبلّغ جميع ما يجب تبليغه ، ونصب أوصياء بعده ليكونوا مرجعا للأنام في كلّ زمان ، ويزيد واما نقصوا وينقصوا ما زادوا ، ولكنّ المكلّفين بسوء اختيارهم أزالوا هذه النعمة عن أنفسهم ، وصاروا سببا لغيبة الوصيّ من بينهم ، فقصر باعهم عن تناول الأحكام ومعرفتها لذلك.
وإذا تحقّق ذلك فنقول : لا شكّ في عدم وجوب البيان ووجوب الاحتياط في الأوّل على ما بيّنّاه ، وكذلك في القبح على الثاني. وأمّا الثالث فليس في العقل ما يقبّح التكليف بلا بيان في هذا القسم. وما نحن فيه أيضا من هذا القبيل ، إذ لا ريب في تبليغ النبيّ صلىاللهعليهوآله جميع ما يجب عليه تبليغه ، ولا في عدم تقصير أوصيائه في