فيجب نفيه. وهذا الدليل لا يتمّ إلّا ببيان مقدّمتين : إحداهما : أنّه لا دلالة عليه شرعا ، بأن ينضبط طرق الاستدلالات الشرعيّة ويبيّن عدم دلالتها عليه. والثانية : أن يبيّن أنّه لو كان هذا الحكم ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الدلائل ؛ لأنّه لو لم يكن عليه دلالة لزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ، وهو تكليف بما لا يطاق ، ولو كانت عليه دلالة غير تلك الأدلّة لما كانت أدلّة الشرع منحصرة فيها ، لكنّا بيّنا انحصار الأحكام في تلك الطرق ، وعند ذلك يتمّ كون ذلك دليلا على نفي الحكم (٣٨) ، انتهى.
وحكي عن المحدّث الأسترآبادي في فوائده : أنّ تحقيق هذا الكلام هو أنّ المحدّث الماهر إذا تتّبع الأحاديث المرويّة عنهم عليهمالسلام في مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ، فإذا لم يظفر بحديث دلّ على ذلك الحكم ينبغي أن يحكم قطعا عاديّا بعدمه ، لأنّ جمّا غفيرا من أفاضل علمائنا ـ أربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليهالسلام ، كما في المعتبر ـ كانوا ملازمين لأئمّتنا عليهمالسلام في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان هممهم وهمّ الأئمّة عليهمالسلام إظهار الدين عندهم وتأليفهم كلّ ما يسمعون منهم في الاصول ؛ لئلّا يحتاج الشيعة إلى سلوك طريق العامّة ، ولتعمل بما في تلك الاصول في زمان الغيبة الكبرى ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام لم يضيّعوا من في أصلاب الرجال من شيعتهم كما في الروايات المتقدّمة ، ففي مثل تلك الصورة يجوز التمسّك بأنّ نفي ظهور دليل على حكم مخالف للأصل دليل على عدم ذلك الحكم في الواقع.
إلى أن قال : ولا يجوز التمسّك به في غير المسألة المفروضة ، إلّا عند العامّة القائلين بأنّه صلىاللهعليهوآله أظهر عند أصحابه كلّ ما جاء به ، وتوفّرت الدواعي على جهة واحدة على نشره ، وما خص صلىاللهعليهوآله أحدا بتعليم شيء لم يظهره عند غيره ، ولم يقع بعده ما اقتضى اختفاء ما جاء به (٣٩) ، انتهى.