وينبغى التنبيه على امور : الأول : أنّ المحكيّ عن المحقّق التفصيل في اعتبار أصل البراءة بين ما يعمّ به البلوى وغيره ، فيعتبر في الأوّل دون الثاني ، ولا بدّ من حكاية كلامه قدسسره في المعتبر والمعارج حتّى يتّضح حال النسبة ، قال في المعتبر : الثالث ـ يعني من أدلّة العقل ـ : الاستصحاب ، وأقسامه ثلاثة : الأوّل : استصحاب حال العقل وهو التمسّك بالبراءة الأصليّة ، كما يقال : الوتر ليس واجبا ؛ لأنّ الأصل براءة العهدة. ومنه : أن يختلف العلماء في حكم الدية (*) بين الأقلّ والأكثر ، كما في دية عين الدابّة المتردّدة بين النصف والربع. إلى أن قال : الثاني : أن يقال : عدم الدليل على كذا ، فيجب انتفائه. وهذا يصحّ فيما يعلم أنّه لو كان هنا دليل لظفر به ، أمّا لا مع ذلك فيجب التوقّف ، ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة. ومنه القول بالإباحة لعدم دليل الوجوب والحظر. الثالث : استصحاب حال الشرع. فاختار أنّه ليس بحجّة (٣٧) ، انتهى موضع الحاجة من كلامه قدسسره.
وذكر في المعارج على ما حكي عنه : أنّ الأصل خلوّ الذمّة عن الشواغل الشرعيّة ، فإذا ادّعى مدّع حكما شرعيّا جاز لخصمه أن يتمسّك في انتفائه بالبراءة الأصليّة ، فيقول : لو كان ذلك الحكم ثابتا لكان عليه دلالة شرعيّة ، لكن ليس كذلك ،
______________________________________________________
فضلا عن المقطوع عند استدلاله على حجيّة الظنّ المطلق بوجوب دفع الضرر الداعي منفعة مساوية للضرر أو أقوى منه ، فتدبّر. ومن هنا يظهر أنّ تجويز الشارع لذلك في بعض الموارد لا يمنع من حكم العقل به ، لكشف ذلك عن وجود مصلحة مساوية للضرر أو أقوى منه. ولا ريب أنّ العقل إنّما يحكم بوجوب دفع الضرر إذا لم يكن متداركا بمساويه أو أقوى منه. فالأولى في المقام أن يجاب بأنّ دفع الضرر المحتمل وإن كان واجبا ، إلّا أنّ تجويز الشارع للاقتحام فيه بأدلّة البراءة كشف عن وجود ترياق مصلح له في الواقع ، ومعه لا تتمّ دعوى استقلال العقل به على ما عرفت.
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : المردّدة.