قبل ذلك : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) (٦) ـ فالمعنى : أنّ الله سبحانه لا يكلّف العبد إلّا دفع ما اعطي من المال. وإمّا أن يراد نفس فعل الشيء أو تركه بقرينة إيقاع التكليف عليه ، فإعطاؤه كناية عن الإقدار عليه ، فتدلّ على نفي التكليف بغير المقدور كما ذكره الطبرسي (٧) قدسسره ، وهذا المعنى أظهر وأشمل ؛ لأنّ الإنفاق من الميسور داخل في «(مِمَّا آتاهُ اللهُ)». وكيف كان : فمن المعلوم أنّ ترك ما يحتمل التحريم ليس غير مقدور ؛ وإلّا لم ينازع في وقوع التكليف به أحد من المسلمين ، وإن نازعت الأشاعرة في إمكانه. نعم ، لو اريد من الموصول نفس الحكم والتكليف ، كان إيتائه عبارة عن الإعلام به ، لكن إرادته بالخصوص تنافي مورد الآية ، وإرادة الأعمّ
______________________________________________________
عامّة الناس ، وما نحن فيه كذلك كما ستعرفه. وإن أراد ذلك في نظر العامّة فهو ممنوع.
وتوضيح المقام : أنّ خروج الفعل من قدرة المكلّف تارة يكون عقليّا ، واخرى عرفيّا ، بمعنى كونه كذلك في نظر أهل العرف وإن لم يكن كذلك عقلا. ومن هذا القبيل أمر الموالي عبيدهم بما لم يكن لهم طريق إلى امتثاله ، إذ لا ريب في عدّ مثل ذلك عندهم من قبيل التكليف بغير المقدور. وما نحن فيه من هذا القبيل ، إذ لو تنجّز التكليف بالواقع فيما يحتمل التحريم عدّ ذلك أيضا تكليفا بغير مقدور ، إذ الفرض عدم ثبوت وجوب الاحتياط حتّى يقال إنّه طريق ظاهري في الشبهات. ومجرّد حسن الاحتياط عقلا وشرعا لا يصلح أن يكون طريقا لامتثال التكليف المفروض تنجّزه في الواقع ، إذ غايته جواز الاحتياط ، وهو لا يصلح طريقا لذلك.
وبالجملة ، إنّ وجه الاستدلال أنّ المراد بالموصولة إمّا هو الحكم ، والمراد بإيتائه إعلامه ، كما ترشد إليه الرواية المتقدّمة ، إلّا أنّه يشكل بعدم شمول الآية حينئذ لموردها ، كما أفاده المصنّف رحمهالله. وإمّا نفس الفعل والترك ، والإيتاء وإن كان حقيقة في الإعطاء إلّا أن إيتاءهما كناية عن الإقدام عليهما. والمعنى : لا يكلّف الله نفسا إلّا بفعل أقدرها عليه ، فما هو غير مقدور للمكلّف لا يكلّف به ، وهو