منه ومن المورد تستلزم استعمال الموصول في معنيين ؛ إذ لا جامع بين تعلّق التكليف بنفس الحكم وبالفعل (*) المحكوم عليه ، فافهم.
نعم ، في رواية عبد الأعلى عن أبي عبد الله عليهالسلام : «قال : قلت له : هل كلّف النّاس بالمعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان ؛ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) ، و (لا يُكَلِّفُ اللهُ
______________________________________________________
أعمّ ممّا كان غير مقدور بالذات كالطيران إلى السماء ، أو بالعرض كما فيما نحن فيه على ما عرفت. وعليه ، تكون الآية عامّة لمواردها أيضا ، وهو خصوص المال ، كما يرشد إليه قوله سبحانه قبلها : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) لأنّ المعنى حينئذ بالنسبة إلى موردها : لا يكلّف الله نفسا إلّا بدفع مال أقدرها عليه ، وبالنسبة إلى الأحكام المعلومة : لا يكلّف الله نفسا إلّا بفعل واجب أو ترك حرام أقدرها عليه.
ولا يرد عليه ما أورده المصنّف رحمهالله على إرادة المعنى الأعمّ من استلزامه لاستعمال اللفظ في أكثر من معنى ، لكون الموصولة على ما ذكرناه عبارة عن نفس الفعل أو الترك ، وهو إن اعتبر بالنسبة إلى مورد الآية ـ وهو المال ـ فهو عبارة عن دفعه ، وإن اعتبر بالنسبة إلى الأحكام فهو عبارة عن الإتيان بها وامتثالها.
وممّا ذكرناه يظهر تقريب الاستدلال بقوله تعالى في آخر سورة البقرة : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) نظرا إلى كون الفعل المجهول الحكم خارجا عن وسع المكلّف في نظر العامّة كما تقدّم. وكذا يندفع ما أورد عليه بأنّه إنّما يتمّ على تقدير انسداد باب العلم في أغلب الأحكام ، نظرا إلى كون التكليف بالأفعال المجهولة الحكم في الواقع مع تعذّر الاحتياط لكثرة الشبهات تكليفا بما هو خارج من الوسع ، بخلاف ما لو كان باب العلم مفتوحا عقلا أو شرعا كما هو الفرض ، لأنّ الكلام مع الأخباريّين القائلين بالانفتاح ، بل على مذهب القائلين بالظنون الخاصّة من الاصوليّين ، إذ لا ريب في تيسّر الاحتياط حينئذ ، لقلّة موارد الشبهة ،
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «بالفعل» ، والفعل.