نَفْساً إِلَّا ما آتاها)» (٨) ، لكنّها لا ينفع في المطلب ، لأنّ نفس المعرفة بالله غير مقدور (١١٠٤) قبل تعريف الله سبحانه ، فلا يحتاج دخولها في الآية إلى إرادة الإعلام من الإيتاء ، وسيجيء زيادة توضيح لذلك في ذكر الدليل العقلي إن شاء الله تعالى. وممّا ذكرنا يظهر حال التمسّك بقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) (٩).
ومنها : قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١٠) (١١٠٥) بناء على أنّ بعث الرسول كناية عن بيان التكليف ؛ لأنّه يكون به غالبا ، كما في قولك : «لا أبرح من هذا المكان حتّى يؤذّن المؤذّن (*)» كناية عن دخول الوقت أو عبارة عن البيان النقلي ، ويخصّص العموم بغير المستقلّات ، أو يلتزم بوجوب التأكيد وعدم حسن العقاب إلّا مع اللطف بتأييد العقل بالنقل وإن حسن الذمّ ، بناء على أنّ منع
______________________________________________________
فالتكليف بالأفعال المجهولة الحكم لا يستلزم المحذور. ووجه الاندفاع واضح ، لأنّ ما ذكرناه مبنيّ على كون الفعل المجهول الحكم خارجا من الوسع مطلقا ، من دون فرق بين قلّة الشبهات وكثرتها.
١١٠٤. لعلّ الوجه فيه هو كون المراد بالمعرفة هي المعرفة الكاملة التي لا يهتدي إليها العباد بعقولهم القاصرة ، أو المراد بها مطلقها إلّا أنّ المراد بالبيان أعمّ من البيان الشرعيّ والعقلي. والقرينة على التأويل بهذين الوجهين هو تعرّض السائل لهذا السؤال ، إذ من البعيد حصول الشبهة في وجوب أصل المعرفة. مضافا إلى نفي الإمام عليهالسلام للتكليف من دون بيان من الله تعالى ، للقطع بثبوت التكليف بأصل المعرفة ولو مع عدم بيان من الله سبحانه. وحاصل ما ذكره : انطباق الرواية على الآية على تقدير كون المراد بالموصولة هو الفعل والترك ، وبالإيتاء الإقدار عليهما.
١١٠٥. الآية في أوائل سورة بني إسرائيل. ولا يذهب عليك أنّ جريان أصالة البراءة لمّا كان موقوفا على عدم الدليل العقلي والشرعيّ في موردها ، لأنّ
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : فإنّه.