فيه وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل ؛ لأنّ حكم العقل بوجوب دفع الضرر ـ بمعنى العقاب المحتمل بل المقطوع ـ حكم إرشادي ، وكذا لو فرض أمر الشارع بالاجتناب عن عقاب محتمل أو مقطوع بقوله : «تحرّز عن الوقوع في معصية النهي عن الزنا» ، لم يكن إلّا إرشاديّا ، ولم يترتّب على موافقته ومخالفته سوى خاصيّة نفس المأمور به وتركه ، كما هو شأن الطلب الإرشادي.
______________________________________________________
والواقع في المصادف للواقع لا وجه له ، نظير ما صرّح به المصنّف رحمهالله في مسألة التجرّي ـ على القول بحرمته ـ في مقام الردّ على صاحب الفصول. ويمكن أن يقال باتّحاد العقاب على تقدير ارتكاب كلا المشتبهين ، وإن قلنا بحرمتهما شرعا ، بناء على ما اختاره المصنّف رحمهالله ـ في آخر هذا المقصد عند بيان شرائط العمل بأصالة البراءة ـ من عدم ترتّب العقاب على مخالفة الأحكام الظاهريّة ، فما وجه عدم تعرّض المصنّف رحمهالله لهذين الوجهين في المقام؟
قلت : لعلّ الوجه فيه أنّ كلّ من جعل وجوب الاجتناب عن المشتبهين عقليّا قد جعل حكم العقل حينئذ إرشاديّا ، فلا وجه حينئذ للقول باثنينيّة العقاب فضلا عن تثليثه ، كما يظهر ممّا ذكره في وجه ما قوّاه. وكلّ من جعله شرعيّا جعل كلّ واحد من المشتبهين موضوعا مستقلّا محلّا للثواب والعقاب. وبعبارة اخرى : أنّ من قال بكون العلم الإجمالي منجّزا للتكليف بالواقع ، وبوجوب دفع الضرر المحتمل الّذي هو من باب الإرشاد ، قال باتّحاد العقاب هنا ، وحمل الأخبار الدالّة على وجوب الاحتياط على إمضاء حكم العقل. ومن لم يقل بكون العلم الإجمالي منجّزا للتكليف بالواقع ، وقال بوجوب الاحتياط هنا من باب الأخبار ، التزم باثنينيّة العقاب. وعلى كلّ تقدير لا وجه لتثليث العقاب هنا.
نعم ، من لم يلتزم بترتّب العقاب على الأحكام الظاهريّة فلا بدّ له من القول باتّحاد العقاب ، وإن قلنا بكون وجوب الاجتناب عن المشتبهين شرعيّا أيضا ، إلّا أنّ التزام المصنّف رحمهالله هنا باثنينيّة العقاب على القول بوجوب اجتنابهما شرعا مبنيّ