وإلى هذا المعنى أشار (١٥١٠) صلوات الله عليه بقوله : «اتركوا ما لا بأس به حذرا عمّا به البأس» وقوله : «من ارتكب الشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم». ومن هنا ظهر : أنّه لا فرق في ذلك بين الاستناد في وجوب الاجتناب إلى حكم العقل وبين الاستناد فيه إلى حكم الشرع بوجوب الاحتياط. وأمّا حكمهم بوجوب دفع الضرر (١٥١١) المظنون شرعا واستحقاق العقاب على تركه
______________________________________________________
على ظاهر المشهور لا على مختاره.
١٥١٠. لأنّ الأمر بالترك وإن كان ظاهرا في الطلب الشرعيّ ، إلّا أنّ تعليله بقوله : «حذرا عمّا به البأس» قرينة لصرفه عن ظاهره.
١٥١١. هذا تصريح من المصنّف رحمهالله بعدم الفرق في ما نحن فيه بين كون كلّ من المشتبهين مشكوكا ، وكون أحدهما مظنونا بظنّ غير معتبر. ودفع لتوهّم أنّه إذا لم يترتّب العقاب على مخالفة القطع بالضرر مع عدم المصادفة فمع الظنّ به كذلك بطريق أولى ، وهو خلاف ما حكموا به في الضرر الدنيوي المظنون.
وتحقيقه أنّ ارتكاب الضرر الدنيوي قد حكم الشارع بحرمته بنفسه ، وجعل مطلق الظنّ طريقا إليه ، صادف الواقع أم لا ، كسائر الظنون الخاصّة المتعلّقة بالأحكام الواقعيّة أو الموضوعات كذلك. ولا ريب أنّ اعتبار الطرق الشرعيّة ليس من باب مجرّد الكشف عن الواقع حتّى يكون مدار الموافقة والمخالفة على نفس الواقع ، بل لأجل مصلحة في سلوكها يتدارك بها مصلحة الواقع على تقدير مخالفتها له ، وإلّا فتفويت الواقع من الشارع على المكلّف مع تمكّنه من تحصيله بالعلم ـ كما هو الفرض من اعتبار الطرق الشرعيّة مطلقا حتّى مع التمكّن من العلم ـ قبيح جدّا. وحينئذ لا بدّ أن يكون مدار الموافقة والمخالفة مع فقد العلم على مؤدّيات الطرق الظاهريّة. وقد حرّر تحقيق ذلك في مقام آخر.
هذا بخلاف الظنّ غير المعتبر في ما نحن فيه ، إذ الفرض أنّه لا دليل عليه شرعا حتّى يستكشف به عن وجود المصلحة فيه مطلقا ، سواء طابق الواقع أم لا ، و