.................................................................................................
______________________________________________________
المستدلّين بالآية هم الاصوليّون القائلون بالملازمة بين حكم العقل والشرع ، وكان ظاهر الآية نفي التكليف مع عدم البيان النقلي مطلقا ، سواء كان هنا دليل عقلي أم لا ، احتاج المصنّف رحمهالله في الاستدلال بها إلى إثبات احدى مقدّمات. الاولى : أن يكون بعث الرسول كناية عن بيان التكليف مطلقا ، سواء كان بالنقل أم العقل. الثانية : أن تبقى الآية على ظاهرها ، ويقال بكونها من قبيل المخصّص بالمخصّص المنفصل ، وهو ما دلّ على اعتبار العقل. الثالثة : أن تبقى الآية على ظاهرها من إرادة البيان النقلي من دون التزام استثناء أصلا. ويدّعى عدم منافاتها لملازمة حكم العقل لحكم الشرع بأن يقال : إنّ الملازمة بينهما إنّما هي في الحكم بحسن فعل أو قبحه ، بمعنى : أنّ العقل إذا حكم بحسنه أو قبحه فالشرع أيضا يحكم بذلك وبكون فاعله مستحقّا للعقاب ، إلّا أنّه لا ينافي عدم ترتّب العقاب الفعلي على ارتكاب فعل حكم العقل بقبحه ولم يرد النهي عنه شرعا ، كما هو مقتضى الآية.
وبالجملة ، إنّ الملازمة في الحكم بالقبح والاستحقاق لا تلازمها فعليّة ترتّب العقاب على ارتكاب هذا القبيح ، نظير حرمة الظهار المتعقّبة بالعفو بقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) على ما يراه الشهيد الثاني ، وحرمة نيّة السوء التي ورد في الأخبار أنّها لا تكتب. والوجه في عدم ترتّب العقاب على مخالفة ما حكم بقبحه العقل ، مع عدم ورود النهي عنه شرعا ، ما أشار إليه المصنّف رحمهالله من كون تأكّد العقل بالشرع لطفا واجبا على الله تعالى.
وعلى كلّ تقدير ، فالآية لا تنافي الملازمة المذكورة. وما أورد عليه المصنّف رحمهالله من كون ظاهرها إخبارا عن وقوع التعذيب سابقا في الأمم الماضية والقرون الخالية بعد البعث والبيان ، فلا تشمل نفي العقاب الاخروي من دون بيان ، ضعيف جدّا ، لأنّ ظاهرها أنّها إخبار عن عدم جريان عادته وسجيّته سبحانه ولو في الامم السابقة على التعذيب من دون بيان ، لأنّ معناها : ما كان من شأننا وسجيّتنا التعذيب حتّى نبعث ونبيّن الأحكام للعباد ، فهي بإطلاقها تشمل العقاب