اللطف يوجب قبح العقاب دون الذمّ ، كما صرّح به البعض ، وعلى أيّ تقدير فيدلّ على نفي العقاب قبل البيان. وفيه : أنّ ظاهره الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث ، فيختصّ بالعذاب الدنيوي الواقع في الامم السابقة.
ثمّ إنّه ربّما يورد التناقض (١١) (١١٠٦) على من جمع بين التمسّك بالآية في المقام
______________________________________________________
الدنيوي والاخروي ، كما هو صريح الطبرسي في تفسيره. ولا ريب أنّ مقتضى الحكمة أن لا تتغيّر عادته ولا تتبدّل سجيّته في القرون اللاحقة ، إن لم تكن هذه الأمّة المرحومة أولى بذلك. مع أنّ لفظة «كان» قد تستعمل للدلالة على استمرار خبرها لاسمها ، نحو (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) أي : لم يزل عليما حكيما في الماضي والحال والاستقبال.
نعم ، يرد على المقدّمة الأخيرة أنّ تسليم كون فاعل ما يستقلّ بقبحه العقل وتارك ما يستقلّ بحسنه مستحقّا للعقاب ومبغوضا عند الشارع وإن لم يكن معاقبا بالفعل ، مناف لما وجب على الله تعالى من اللطف بتأكيد الأحكام العقليّة بالسمعيّة ، لأنّ كون العبد مبغوضا للشارع ومستحقّا لسخطه أشدّ من التعذيب بالنار عند ذوي العقول والأبصار ، فكما أنّ العقاب بلا بيان ينافي اللطف ، كذلك الاستحقاق بلا بيان إن لم يكن أولى.
فإن قلت : إنّ غاية ما تدلّ عليه الآية مع تسليم المقدّمات المتقدّمة هو نفي فعليّة العقاب بلا بيان ، لا نفي الاستحقاق أيضا ، ولا يستلزم كون محتمل الحرمة غير حرام ولو في الظاهر ، لأنّ الحرام ما يستحقّ فاعله العقاب لا ما يعاقب عليه فعلا ، ونفي الفعليّة لا ينفي الاستحقاق أيضا.
قلت : مع أنّ مقتضى البراءة ـ كما سيجيء في محلّه ـ هو مجرّد نفي العقاب لا نفي الحكم الواقعي ، إنّ الخصم يسلّم عدم الاستحقاق على تقدير ثبوت عدم الفعليّة ، كما صرّح به المصنّف رحمهالله ، وستعرفه عنه شرح كلامه.
١١٠٦. المورد هو المحقّق القمّي رحمهالله ، أورده على الفاضل التوني ، حيث استدلّ