أحدهما : إباحة الفعل شرعا وعدم وجوب الاحتياط بالترك. والثاني : وجوب الترك ، ويعبّر عنه بالاحتياط. والأوّل منسوب إلى المجتهدين ، والثاني إلى معظم الأخباريّين. وربّما نسب إليهم أقوال أربعة : التحريم ظاهرا ، والتحريم واقعا ، والتوقّف ، والاحتياط. ولا يبعد أن يكون تغايرها باعتبار العنوان ، ويحتمل الفرق بينها أو بين بعضها من وجوه أخر تأتي بعد ذكر أدلّة الأخباريّين.
احتجّ للقول الأوّل بالأدلّة الأربعة : فمن الكتاب آيات : منها : قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) (٤) (١١٠٣). قيل : دلالتها واضحة (٥). وفيه : أنّها غير ظاهرة ؛ فإنّ حقيقة الإيتاء : الإعطاء ، فإمّا أن يراد بالموصول المال ـ بقرينة قوله تعالى
______________________________________________________
سائر الاصول ـ مغايرة هذا الأصل عندهم لأصالة البراءة. مع أنّ المقصود في المقام بيان حكم ما اشتبه حكمه الواقعي ـ أعني : الحرمة ـ في مقام الظاهر ، وأنّه هي البراءة أو الاحتياط. والأصل المذكور وإن سلّمنا اندراجه في أصالة البراءة ، إلّا أنّه يفيد نفي الحكم فيما يعمّ به البلوى بحسب الواقع دون الظاهر ، فلا دخل له فيما نحن فيه. فالأولى حصر القول في المقام في البراءة والاحتياط.
١١٠٣. هذه الآية في سورة الطلاق. وتقريب الدلالة : أنّ المراد بالإيتاء إمّا هو الإعلام ، كما يشعر به قوله عليهالسلام : «إنّ الله يحتجّ على الناس بما آتاهم وعرّفهم» وإمّا الإقرار ، كما هو صريح الطبرسي. فهي تدلّ على الأوّل على نفي التكليف قبل وصول الإعلام والبيان من الله سبحانه ، وعلى الثاني على نفي التكليف عن غير المقدور ، لأنّ المعنى حينئذ : لا يكلّف الله نفسا إلّا ما أقدرها عليه ، والتكليف بالمجهول تكليف بغير المقدور ، فيكون منفيّا بحكم الآية.
وأمّا ما أورد عليه المصنّف رحمهالله بأنّ ترك ما يحتمل التحريم ليس غير مقدور ، فيرد عليه : أنّه إن أراد ذلك عقلا فمسلّم إلّا أنّه غير مجد ، لأنّ الخطابات الشرعيّة واردة على متفاهم العرف ، فيكفي في الاستدلال بها كون الفعل غير مقدور في نظر