وقد جزم بهذه القضيّة السيّد أبو المكارم في الغنية وإن قال بالإباحة (*) كالسيّد المرتضى رحمهالله تعويلا على قاعدة «اللطف» ، وأنّه لو كان في الفعل مفسدة لوجب على الحكيم بيانه ، لكن ردّها في العدّة : بأنّه قد يكون المفسدة في الإعلام ويكون المصلحة في كون الفعل على الوقف.
والجواب : بعد تسليم استقلال (١٢٤٦) العقل بدفع الضرر أنّه إن اريد ما يتعلّق بأمر الآخرة من العقاب ، فيجب على الحكيم تعالى بيانه ، فهو مع عدم البيان مأمون ، وإن اريد غيره ممّا لا يدخل في عنوان المؤاخذة من اللوازم المترتّبة مع الجهل أيضا ، فوجوب دفعها غير لازم عقلا ؛ إذ العقل لا يحكم بوجوب الاحتراز عن الضرر الدنيويّ المقطوع (١٢٤٧) إذا كان لبعض الدواعي النفسانيّة ، وقد جوّز الشارع بل أمر به في بعض الموارد. وعلى تقدير الاستقلال فليس ممّا يترتّب عليه العقاب ؛ لكونه من باب الشبهة الموضوعيّة ـ لأنّ المحرّم هو مفهوم الإضرار ، وصدقه في هذا المقام مشكوك كصدق المسكر المعلوم التحريم على هذا المائع الخاصّ ـ ، والشبهة الموضوعيّة لا يجب الاجتناب عنها باتّفاق الأخباريّين أيضا ، وسيجيء تتمّة الكلام في الشبهة الموضوعيّة إن شاء الله.
______________________________________________________
ينافي ما أجاب به عنه المصنّف رحمهالله ، لأنّ ظاهره كون مبنى أصالة الحظر على وجوب دفع الضرر المحتمل.
١٢٤٦. فيه إشارة إلى منع استقلال العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل ، وهو ينافي ما قوّاه عند الاستدلال على حجيّة الظنّ المطلق بوجوب دفع الضرر المظنون ، من دعوى استقلاله بدفع المحتمل منه أيضا.
١٢٤٧. هذا ينافي دعوى إطباق العقلاء على وجوب دفع الضرر المظنون فضلا عن المقطوع عند استدلاله على حجيّة الظنّ المطلق بوجوب دفع الضرر المظنون ، إذ لا ريب أنّ الدواعي النفسانيّة لا تمنع من تقبيح العقل. اللهمّ إلّا أن يكون
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «بالإباحة» ، بأصالة الإباحة.