الوجه الثاني : أنّ الأصل (١٢٤٥) في الأفعال الغير الضرورية الحظر ، كما نسب إلى طائفة من الإماميّة ، فيعمل به حتّى يثبت من الشرع الإباحة ، ولم يرد الإباحة فيما لا نصّ فيه. وما ورد ـ على تقدير تسليم دلالته ـ معارض بما ورد من الأمر بالتوقّف والاحتياط ، فالمرجع إلى الأصل. ولو تنزّلنا عن ذلك فالوقف ، كما عليه الشيخان قدسسرهما. واحتجّ عليه في العدّة : بأنّ الإقدام على ما لا يؤمن المفسدة فيه كالإقدام على ما يعلم فيه المفسدة (٣٦).
______________________________________________________
ومن هنا قد تبيّن أنّ قياس اعتبار الأدلّة على اعتبار الأمارات كالبيّنة غير صحيح ، لأنّه إذا علمت إجمالا حرمة طائفة من قطيع غنم ، فإن أخبرت البيّنة بأنّ ما علمت إجمالا حرمته هي هذه الطائفة من القطيع ، فقد عرفت انحلال العلم الإجمالي حينئذ ـ بحكم أدلّة اعتبار البيّنة ـ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي. وإن أخبرت بحرمة طائفة منها مع قطع النظر عن كونها هي المعلومة إجمالا أو غيرها ، فالعلم الإجمالي حينئذ وإن كان باقيا على حاله ، إلّا أنّك قد عرفت أنّ الأدلّة الظنّية ليست كذلك.
وهنا جواب آخر ذكره المصنّف رحمهالله عند بيان شرائط العمل بأصالة البراءة ، من منع العلم الإجمالي في غير موارد الأدلّة التي يمكن الوصول إليها. وقد زيّفه هناك بقوله : «ولكن هذا لا يخلو عن نظر ، لأنّ العلم الإجمالي إنّما هو بين جميع الوقائع من غير مدخليّة لتمكّن المكلّف من الوصول إلى مدارك التكليف وعجزه عن ذلك ، فدعوى اختصاص أطراف العلم الإجمالي بالوقائع المتمكّن من الوصول إلى مداركها مجازفة». ثمّ أحال تحقيق ما ذكره هناك إلى المراجعة إلى ما ذكره هنا.
١٢٤٥. هذا الدليل ربّما ينافي ما تقدّم من المصنّف رحمهالله في تقرير الإجماع من اتّفاق كلّ من المجتهدين والأخباريّين على قبح العقاب بلا بيان ، وأنّ قول الأخباريّين بوجوب الاحتياط إنّما هو لأجل الأخبار الواردة فيه. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ هذا الدليل مبنيّ على قبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، لا على عدم قبح العقاب بلا بيان. لكنّه مع فساده في نفسه ـ لاستغنائه سبحانه عمّا سواه ـ