.................................................................................................
______________________________________________________
تقتضيه المراجعة إلى الأدلّة والعمل بها هو الظنّ بالخروج من عهدة المحرّمات الواقعيّة لا اليقين بها ، والاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ، فلا يكفي الظنّ بها ، كيف لا ولا ظنّ بالخروج من عهدة جميعها. وقد صرّح المصنّف رحمهالله في التنبيه الخامس من تنبيهات الشّبهة المحصورة ـ فيما لو اضطرّ المكلّف إلى ارتكاب بعض أطراف الشبهة ـ بعدم وجوب الاجتناب عن الآخر إن كان الاضطرار قبل العلم الإجمالي أو معه ، وبوجوبه إن كان بعده ، فراجع. وعلى الثاني لا يجب الاحتياط فيها كما هو واضح ممّا عرفت.
وإذا عرفت ذلك تحقّق لك أنّ ما حكم به المصنّف رحمهالله هنا من عدم وجوب الاحتياط في الموارد الخالية من الأدلّة ، سواء كانت المراجعة إليها قبل العلم الإجمالي أم بعده ، إنّما يتمّ على الوجه الثاني ، كما يرشد إليه قوله هنا : «فإنّ العلم الإجمالي غير ثابت بعد العلم التفصيلي بحرمة بعضها ...». وتقرير الدليل العقلي المذكور مبنيّ على الأوّل ، كما يرشد إليه قوله هناك : «إذ ليس معنى اعتبار الدليل الظنّي إلّا وجوب الأخذ ...».
والوجه في كون اعتبار أخبار الآحاد من قبيل الثاني أنّه إذا أخبر واحد عن حكم واقعة من الأحكام الشرعيّة ، فمرجعه إلى الإخبار عمّا جعله الله تعالى في هذه الواقعة في نفس الأمر ، فكأنّه قال : ما جعله الله تعالى في هذه الواقعة في الواقع هو هذا. فإذا دلّ دليل على اعتبار خبره كان مقتضاه تنزيل ما أخبر به بمنزلة الواقع ، بمعنى عدم الاعتناء باحتمال الكذب في خبره ، وفرضه كالمقطوع بصدقه. وحينئذ فمقتضى اعتبار أخبار الآحاد هو كون مؤدّياتها بحكم الشارع هي الأحكام الواقعيّة التي جعلها الله تعالى في الواقع ، لا كون ما أخبر بحرمته مثلا حراما في الواقع ، مع قطع النظر عن كون ذلك هو الحرام الواقعي المجهول أو غيره. وقد عرفت أنّ مقتضى الأوّل انحصار الواقع بحكم الشارع في مؤدّيات الطرق ، وصيرورة الموارد الخالية منها مشكوكة بالشكّ البدوي.