أقول : المراد بالدليل المصحّح (١٢٤٨) للتكليف ـ حتّى لا يلزم التكليف بما لا طريق للمكلّف إلى العلم به ـ هو ما تيسّر للمكلّف الوصول إليه والاستفادة منه ، فلا فرق بين ما لم يكن في الواقع دليل شاف (*) أصلا أو كان ولم يتمكّن المكلّف من الوصول إليه أو تمكّن لكن بمشقّة رافعة للتكليف أو تيسّر ولم يتمّ دلالته في نظر المستدلّ ؛ فإنّ الحكم الفعلي في جميع هذه الصور قبيح على ما صرّح به المحقّق قدسسره في كلامه السابق ، سواء قلنا بأنّ وراء الحكم الفعلي حكما آخر ـ يسمّى حكما واقعيّا وحكما شأنيّا ـ على ما هو مقتضى مذهب المخطّئة ، أم قلنا بأنّه ليس ورائه حكم آخر ؛ للاتّفاق على أنّ مناط الثواب والعقاب ومدار التكليف هو الحكم الفعليّ.
وحينئذ فكلّ ما تتّبع المستنبط في الأدلّة الشرعيّة في نظره إلى أن علم من نفسه عدم تكليفه بأزيد من هذا المقدار من التتبّع ، ولم يجد فيها ما يدلّ على حكم مخالف للأصل ، صحّ له دعوى القطع بانتفاء الحكم الفعلي. ولا فرق في ذلك بين العامّ البلوى وغيره ولا بين العامّة والخاصّة ولا بين المخطّئة والمصوّبة ، ولا بين
______________________________________________________
١٢٤٨. هذا تمهيد وتوطئة لدفع توهّم التفصيل المعزى إلى المحقّق من عبارة المعارج ، مع الإشارة إلى تزييف ما زعمه الأمين الأسترآبادي تحقيقا لكلام المعارج. وحاصله : أنّ ما يمكن أن يتوهّم منه ذلك منها قوله : «أن يبيّن أنّه لو كان هذا الحكم ...» ، وهو فاسد ، لأنّ مقصوده من الأدلّة التي ادّعى أنّ الحكم لو كان ثابتا لدلّت عليه إحدى تلك الأدلّة هي الأدلّة التي يمكن الوصول إليها لا مطلقها ، لأنّها هي التي يلزم مع عدم دلالتها على الحكم التكليف بما لا طريق للمكلّف إليه لو كان الحكم ثابتا في الواقع ، كما هو واضح ممّا ذكره المصنّف رحمهالله. ومرجعه إلى التمسّك بقبح التكليف بلا بيان بعد الفحص عن الأدلّة وعدم وجدان ما يدلّ عليه. ولا ريب أنّه لا فرق في ذلك بين ما يعمّ به البلوى وغيره ، كي يتوهّم منه التفصيل المذكور ، ولا بين المخطئة والمصوّبة كما توهّمه الأسترآبادي. وسنشير إلى وجه
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «شاف» ، شأني.