من هذه الجهة موضوعيّة لا يجب الاحتياط فيها باعتراف الأخباريين ، فلو ثبت وجوب دفع المضرّة المحتملة لكان هذا مشترك الورود ؛ فلا بدّ على كلا القولين إمّا من منع وجوب الدفع ، وإمّا من دعوى ترخيص الشارع وإذنه فيما شكّ في كونه من مصاديق الضرر ، وسيجيء توضيحه في الشبهة الموضوعية إن شاء الله.
ثمّ إنّه ذكر السيّد أبو المكارم قدسسره في الغنية : أنّ التكليف بما لا طريق إلى العلم به تكليف بما لا يطاق. وتبعه بعض من تأخّر عنه ، فاستدلّ به في مسألة البراءة. والظاهر : أنّ المراد به (١١٨٤) ما لا يطاق الامتثال به وإتيانه بقصد الطاعة ، كما
______________________________________________________
وثانيها : منع وجوب دفع الضرر الدنيوي المحتمل. والوجه فيه عدم إمكان التحرّز عن المضارّ الدنيويّة المحتملة ، لاحتمال وجود المفسدة في جميع الأفعال من جهة بل من جهات ، كما هو واضح. ويمكن أن يقال في منع وجوب التحرّز عن المفاسد المحتملة ووجوب تحصيل المصالح كذلك التي هي منشأ الأحكام الشرعيّة : إنّ ذلك إنّما يتمّ على تقدير كون هذه المفاسد والمصالح علّة تامّة لها ، ولم يثبت ، لاحتمال كون تأثيرها مشروطا بالعلم بها. ولا فرق حينئذ بين المفاسد الدنيويّة والأخرويّة غير العقاب.
وثالثها : ثبوت الرخصة من الشارع في ارتكابها ، وهي كاشفة عن وجود ترياق لها ، وإن كان ذلك حاصلا بالعمل بالأحكام المعلومة. بل ربّما يقال في منع حكم العقل بوجوب دفع المفاسد المحتملة بكفاية مجرّد احتمال جعل الشارع لها ترياقا وإن لم يعرفه المكلّف. ولكنّه كما ترى غير مانع من حكم العقل بالوجوب. وبعبارة اخرى : إنّا إن قلنا باعتبار أصالة البراءة من باب الشرع ، كشف ذلك عن وجود ترياق يتدارك به المفسدة اللازمة من العمل بالبراءة. وإن قلنا باعتبارها من باب العقل ، فهو إنّما يحكم بها بعد منع وجوب دفع الضرر المحتمل ، ولا يكفي فيه مجرّد احتمال ما ذكرناه.
١١٨٤. حاصله : أنّ غرض الشارع من التكليف هو إطاعة ما أمر به أو نهى