وأمّا الإذن والترخيص في الفعل ، فهو وإن كان أمرا قابلا للجعل ويستلزم انتفاء العقاب واقعا إلّا أنّ الإذن الشرعيّ ليس لازما شرعيّا للمستصحبات المذكورة ، بل هو من المقارنات ؛ حيث إنّ عدم المنع عن الفعل ـ بعد العلم إجمالا بعدم خلوّ فعل المكلّف عن أحد الأحكام الخمسة ـ لا ينفكّ عن كونه مرخّصا فيه ، فهو نظير إثبات وجود أحد الضدّين بنفي الآخر بأصالة العدم.
ومن هنا تبيّن أنّ استدلال بعض من اعترف بما ذكرنا (٤٦) ـ من عدم اعتبار الاستصحاب من باب الظنّ وعدم إثباته إلّا اللوازم الشرعيّة ـ في هذا المقام باستصحاب البراءة ، منظور فيه. نعم ، من قال باعتباره من باب الظنّ أو أنّه يثبت بالاستصحاب من باب التعبّد كلّ ما لا ينفكّ عن المستصحب لو كان معلوم البقاء ولو لم يكن من اللوازم الشرعيّة ، فلا بأس بتمسّكه به ، مع أنّه يمكن النظر فيه ؛ بناء على ما سيجيء من اشتراط العلم ببقاء الموضوع في الاستصحاب ، وموضوع البراءة في السابق ومناطها هو الصغير الغير القابل للتكليف ، فانسحابها في القابل أشبه بالقياس من الاستصحاب ، فتأمّل (١١٨٩). وبالجملة : فأصل البراءة أظهر عند القائلين بها والمنكرين لها من أن يحتاج إلى الاستصحاب.
______________________________________________________
باستحقاق العقاب ترتّبه مجازا ، أو يريد أنّ عدم استحقاقه ليس من اللوازم الشرعيّة للفعل حتّى يثبت باستصحاب نفسه. وهذا وإن كان صحيحا إلّا أنّه لا تفي به العبارة ، بل مناف لسياقها.
١١٨٩. الأمر بالتأمّل إشارة إلى بقاء الموضوع في زمان الشكّ في محلّ الفرض بالمسامحة العرفيّة ، وإن كان مرتفعا بالمداقّة العقليّة ، لكون بلوغ الصبيّ وإفاقة المجنون عند أهل العرف من قبيل تغيّر حالات الموضوع ، لا من قبيل تغيّر نفس الموضوع. وسيجيء توضيح ما يتعلّق بذلك في محلّه إن شاء الله تعالى.
وقد يورد على استصحاب البراءة أيضا بالعلم الإجمالي بانتقاض الحالة السابقة ، لأنّ اليقين بالبراءة في حال الصغر والجنون إنّما هو مع العلم بعدم التكليف رأسا ، وقد علمنا إجمالا بانتقاض هذه الحالة بعد البلوغ والإفاقة بالعلم