بشبهة الوجوب والشبهة في الموضوع ـ : فبأنّ فعل الشيء المشتبه حكمه اتّكالا على قبح العقاب من غير بيان المتّفق عليه بين المجتهدين والأخباريين ليس من ذلك. وأمّا عمّا عدا آية التهلكة : فبمنع منافاة الارتكاب (١١٩٣) للتقوى والمجاهدة ، مع أنّ غايتها الدلالة على الرجحان على ما استشهد به الشهيد رحمهالله (٦). وأمّا عن آية التهلكة :
______________________________________________________
١١٩٣. لأنّ للتقوى معنيين :
أحدهما : ما ذكره الفقهاء عند تعريف العدالة بأنّها ملكة تبعث على ملازمة التقوى ، من الإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرّمات. وعلى هذا المعنى لا ينافي ارتكاب الشبهة للتقوى ، لفرض عدم العلم بحرمة المشتبه. وإليه ينظر قوله : «بمنع منافاة الارتكاب للتقوى».
وثانيهما : ما هو المتداول بين عامة الناس ، حيث لا يطلقون المتّقي إلّا على الأوحديّ من الناس ، وهو من أتى بالواجبات والمستحبّات ، واجتنب عن المحرّمات والمكروهات ، بل عن المباحات والمشتبهات ، على حسب ما يسعه وسعه. فلو كان المراد بالتقوى في الآيتين هو هذا المعنى لزم فيهما تخصيص الأكثر ، بناء على حمل الأمر فيها على ظاهره من الوجوب ، للقطع بجواز ارتكاب المباحات والمكروهات ، وكذا الشبهات التحريميّة الموضوعيّة ، باتّفاق من الأخباريّين ، وكذلك ترك المستحبّات ، وكذا الشبهات الوجوبيّة مطلقا ، حكميّة كانت أم موضوعيّة ، باتّفاق منهم ، فلا يبقى تحت الآيتين إلّا الواجبات والمحرّمات والشبهات التحريميّة الحكميّة. ولا ريب في كون الخارج حينئذ أكثر من الباقي ، كيف لا والشبهات الموضوعيّة بانفرادها أكثر من الداخل ، لكون أكثر الأشياء ـ من المأكولات والمشروبات والملبوسات وغيرها ـ مشتبهة بحسب الواقع. فلا مناص في دفع هذا الإشكال من حمل الأمر في الآيتين على مطلق الرجحان ، وهو مناف للغرض من الاستدلال بهما.
فإن قلت : إنّ المتفاهم عرفا من التقوى هو ترك ما في فعله وفعل ما في تركه