منها : أنّ ظاهر أخبار التوقّف حرمة الحكم والفتوى من غير علم ، ونحن نقول
______________________________________________________
إذ لا ريب في كون حكم جميع الأشياء من الإباحة والحرمة وغيرهما مذكورا في الكتاب ، لقوله تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ.) ويحتمل أن يكون المراد به ما يشمل بيان الأئمّة عليهمالسلام أيضا. ومع تعدّد الاحتمال يسقط به الاستدلال.
وثانيا : أنّ ظاهره إثبات الإباحة الواقعيّة لمجهول الحكم ، والمقصود في المقام بيان حكم مجهول الحكم من حيث هو كذلك لا بحسب الواقع ، فتدبّر.
الرابع عشر : ما ذكره بعض سادة مشايخنا أدام الله أيّام إفادته على الأنام ، من أنّ النسبة بين أخبار البراءة والتوقّف هو التباين لا العموم والخصوص مطلقا. وسيجيء توضيح ذلك عند شرح ما يتعلّق بما نقله المصنّف رحمهالله من الأجوبة. ولا ترجيح من حيث السند ، لتواترها من الطرفين ، فيبقى التعارض من حيث الدلالة. ومن المقرّر في محلّه تقديم الأظهر على الظاهر من المتعارضين بحسب الدلالة ، كما في العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد وأشباههما. ولا ريب في كون أخبار البراءة أظهر في الدلالة من أخبار التوقّف ، لأنّ قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» لا يحتمل فيه ما تحتمله أخبار التوقّف ، فلا بدّ من صرف التأويل إليها دونه ، لاحتمال ورودها في مقام التمكّن من العلم ، كما تشهد به جملة منها ، على ما أسلفناه عند بيان الجواب الحادي عشر. ويحتمل ورودها في مقام بيان وجوب التوقّف عن الحكم الواقعي دون الظاهري. ويحتمل ورودها في مقام الإرشاد ، كما ذكره المصنّف رحمهالله.
وبالجملة إنّ هذه الوجوه غير بعيدة في مقام الجمع ، بخلاف قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» لعدم احتماله تأويلا يستأنس به الطبع السليم. نعم ، قد أخرج صاحب الوسائل له محامل يشمئزّ منها الطبع السليم والفهم المستقيم ، قد أسلفناها مع ما فيها عند الاستدلال به للاصالة البراءة.