«هذا ما أدّى إليه ظنّي» ، وكبرى برهانيّة وهي : «كل ما أدّى إليه ظنّي فهو حكم الله في حقّي» ، فإنّ الحكم المعلوم منهما هو الحكم الظاهري ، فإذا كان مفاد الأصل ثبوت الإباحة للفعل الغير المعلوم الحرمة ومفاد دليل تلك الأمارة ثبوت الحرمة للفعل المظنون الحرمة ، كانا متعارضين لا محالة ، فإذا بني على العمل بتلك الأمارة كان فيه خروج عن عموم الأصل وتخصيص له لا محالة.
هذا ، ولكنّ التحقيق أنّ دليل تلك الأمارة وإن لم يكن كالدليل العلمي رافعا لموضوع الأصل ، إلّا أنّه نزّل شرعا منزلة الرافع ، فهو حاكم على الأصل لا مخصّص له كما سيتّضح إن شاء الله تعالى ، على أنّ ذلك إنّما يتمّ بالنسبة إلى الأدلة الشرعيّة (١٠٩٢) ، وأمّا الأدلّة العقليّة القائمة على البراءة والاشتغال فارتفاع موضوعها بعد ورود الأدلّة الظنيّة واضح ، لجواز الاقتناع بها (١٠٩٣) في مقام البيان وانتهاضها رافعا لاحتمال (١٠٩٤) العقاب كما هو ظاهر. وأمّا التخيير فهو أصل عقلي لا غير.
واعلم : أنّ المقصود بالكلام (١٠٩٥) هذه الرسالة الاصول المتضمّنة لحكم الشبهة في الحكم الفرعي الكلّي وإن تضمّنت حكم الشبهة في الموضوع أيضا ، وهي منحصرة في أربعة : «أصل البراءة» و «أصل الاحتياط» و «التخيير» و «الاستصحاب» بناء على كونه ظاهريّا ثبت التعبّد به من الأخبار ؛ إذ بناء على كونه مفيدا للظنّ يدخل في الأمارات الكاشفة عن الحكم الواقعي. وأمّا الاصول المشخّصة لحكم الشبهة في الموضوع ـ كأصالة الصحّة وأصالة الوقوع فيما شكّ فيه بعد تجاوز المحلّ ـ فلا يقع الكلام فيها إلّا لمناسبة يقتضيها المقام.
______________________________________________________
١٠٩٢. الدالّة على اعتبار الاصوليّة.
١٠٩٣. هذا بالنسبة إلى البراءة.
١٠٩٤. هذا بالنسبة إلى قاعدة الاشتغال.
١٠٩٥. لأنّ علم الاصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحكام الشرعيّة الفرعيّة ، فما تستنبط منها أحكام الموضوعات الخارجة التي لا يتعلّق بها إلّا