وثانيا : سلّمنا التكليف الفعلي (١٢٤٤) بالمحرّمات الواقعيّة ، إلّا أنّ من المقرّر في الشبهة المحصورة ـ كما سيجيء إن شاء الله تعالى ـ أنّه إذا ثبت في المشتبهات (*) المحصورة وجوب الاجتناب عن جملة منها لدليل آخر غير التكليف المتعلّق بالمعلوم الإجمالي ، اقتصر في الاجتناب على ذلك القدر ؛ لاحتمال كون المعلوم الإجمالي هو هذا المقدار المعلوم حرمته تفصيلا ، فأصالة الحلّ في البعض الآخر غير معارضة بالمثل ، سواء كان ذلك الدليل سابقا على العلم الإجمالي ـ كما إذا علم نجاسة أحد الإناءين تفصيلا فوقع قذرة في أحدهما المجهول ، فإنّه لا يجب الاجتناب عن الآخر ؛ لأنّ حرمة أحدهما معلومة تفصيلا ـ أم كان لاحقا كما في مثال الغنم المذكور ؛ فإنّ العلم الإجمالي غير ثابت بعد العلم التفصيلي بحرمة بعضها بواسطة وجوب العمل بالبيّنة ، وسيجيء توضيحه إن شاء الله تعالى ، وما نحن فيه من هذا القبيل.
______________________________________________________
كانت الموارد الخالية منها مجرّدة عن العلم الإجمالي.
وأنت خبير بأنّ هذا الجواب مبنيّ إمّا على القول بعدم تأثير العلم الإجمالي في إثبات التكليف أصلا ، وإمّا على القول بعدم تأثيره في إثبات وجوب الموافقة القطعيّة وإن قلنا بجواز المخالفة الاحتماليّة ، وكلّ منهما خلاف مذهب المصنّف قدس سرّه ، ولذا يقول بوجوب الاحتياط فيما دار الواجب بين أمرين بعد العلم بأصل الوجوب في الجملة ، كالظهر والجمعة والقصر والإتمام في بعض الموارد.
مع أنّ مقتضى ما ذكر هو القطع بعدم التكليف في الموارد الخالية من الطرق الظاهريّة لا الشكّ فيه ، كما هو مقتضى كونها من موارد قاعدة البراءة والاشتغال.
١٢٤٤. توضيحه : أنّ اعتبار أخبار الآحاد يتصوّر على وجهين :
أحدهما : أن يكون مقتضى أدلّة اعتبارها إثبات اعتبار مؤدّياتها ، بمعنى الحكم بكون ما دلّ خبر الواحد على حرمته مثلا حراما في الواقع بتنزيل الشارع ، مع
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «المشتبهات» ، الشبهات.