ثمّ لا فرق فيما ذكرناه من حسن الاحتياط بالترك بين أفراد المسألة (١٢٥٦) حتّى مورد دوران الأمر بين الاستحباب والتحريم ، بناء على أنّ دفع المفسدة الملزمة للترك أولى من جلب المصلحة الغير الملزمة ، وظهور الأخبار المتقدّمة في ذلك أيضا.
ولا يتوهم أنّه يلزم من ذلك (١٢٥٧) عدم حسن الاحتياط (١٢٥٨) فيما احتمل كونه من العبادات المستحبّة بل حسن الاحتياط بتركه ؛ إذ لا ينفكّ ذلك عن احتمال كون فعله تشريعا محرّما ؛ لأنّ حرمة التشريع تابعة لتحقّقه ، ومع إتيان ما احتمل كونها عبادة لداعي هذا الاحتمال لا يتحقّق موضوع التشريع ؛ ولذا قد يجب الاحتياط مع هذا الاحتمال ، كما في الصلاة إلى أربع جهات أو في الثوبين المشتبهين وغيرهما ، وسيجيء زيادة توضيح لذلك إن شاء الله.
الرابع : نسب الوحيد البهبهاني قدسسره (١٢٥٩) إلى الأخباريّين مذاهب أربعة فيما لا نصّ فيه : التوقّف والاحتياط والحرمة الظاهريّة والحرمة الواقعيّة (٤١) ، فيحتمل رجوعها إلى معنى واحد وكون اختلافهم في التعبير لأجل اختلاف (١٢٦٠) ما ركنوا إليه من أدلّة القول بوجوب اجتناب الشبهة. فبعضهم ركن إلى أخبار التوقّف ،
______________________________________________________
١٢٥٦. لأنّ محلّ الكلام في المقام ما دار الأمر فيه بين الحرمة وغير الوجوب مطلقا ، سواء كان هذا الغير هو الاستحباب أو الكراهة أو الإباحة أو اثنان منها أو ثلاثة ، فالأقسام سبعة. وما ذكره تمهيد لدفع توهّم عدم رجحان الاحتياط فيما دار الأمر بين الحرمة والاستحباب مثلا ، لدوران الأمر بين المحذورين ، لرجحان الترك حينئذ لاحتمال حرمة الفعل ، ورجحان الفعل لاحتمال استحبابه. ووجه الرفع واضح ممّا ذكره.
١٢٥٧. أي : من عدم الفرق بين أفراد المسألة في حسن الاحتياط بالترك.
١٢٥٨. بالإتيان بالفعل ، لاحتمال استحبابه.
١٢٥٩. سيجيء نقل كلامه عند شرح ما يتعلّق بأقوال المطلب الثاني ، فانتظره.
١٢٦٠. يحتمل أن يكون الاختلاف في التعبير لا من جهة اختلاف ما ركنوا إليه من الأدلّة ، بل من جهة مجرّد الاختلاف في تأدية المراد ، بأن كان التعبير