.................................................................................................
______________________________________________________
لذا لو أتى بها حبّا لله وشكرا له لم يقل أحد ببطلانها. وما قرع سمعك من اعتبار قصد القربة وامتثال أمره تعالى في صحّتها ، إنّما هو لبيان أقلّ مراتب ما يعتبر في العبادة من القصد لا للحصر. بل نقول : إنّه لو أتى بها بقصد حسنها الواقعي وإن لم يعلم بحسنها الخاصّ كفى في صحّتها ، وترتّب عليها ما يترتّب عليها لو أتى بها بقصد امتثال الأمر ، لأنّ الثواب ـ من التقرّب ودخول الجنّة وغيرهما ـ من آثار حسن الفعل لا من آثار إطاعة أمر الشارع من حيث هي.
ولعلّه إلى ما ذكرناه يرجع ما ذكره المصنّف رحمهالله في دفع الدور حلّا على تقدير عدم كفاية احتمال المطلوبيّة في صحّة العبادة ، من كون المراد بالاحتياط والاتّقاء في الأوامر الواردة فيهما هو مجرّد الفعل المطابق للعبادة من جميع الجهات عدا نيّة القربة.
وحاصله : أنّ موضوع الاحتياط والاتّقاء إنّما يتوقّف على قصد القربة إذا كان اعتبار قصدها مأخوذا في موضوع الأوامر الواقعيّة شطرا أو شرطا ، إذ يصحّ حينئذ أن يقال : إنّ الإتيان بالفعل باحتمال محبوبيّته في الواقع من دون قصد القربة لا يكون احتياطا واتّقاء ، لعدم موافقته للأمر الواقعي على تقدير وجوده في الواقع ، لما عرفت من فرض اعتبار قصد القربة في موضوعه. وأمّا إذا لم يكن مأخوذا في موضوع الأوامر الواقعيّة كما أوضحناه ، فلا ريب في موافقة الفعل المأتيّ به ـ باحتمال محبوبيّته في الواقع ـ للأمر الواقعي على تقدير وجوده في الواقع ، وحينئذ يدّعى كون هذا الفعل متعلّقا لأوامر الاحتياط والاتّقاء ، فيقصد بها القربة.
نعم ، [إن](*) أراد أنّ المراد بالاحتياط والاتّقاء في الأوامر المتعلّقة بهما هو الاحتياط والاتّقاء في الجملة ، يعني : في غير جهة قصد القربة ، فرارا عن لزوم الدور ، أمكن منعه ، لمخالفته لظاهر هذه الأوامر ، ولعدم الحاجة إلى هذه الدعوى كما عرفت.
__________________
(*) سقط ما بين المعقوفتين من الطبعة الحجريّة ، وإنّما أضفناه ليستقيم المعنى.