الثالث : أنّ الظاهر اختصاص أدلّة البراءة بصورة الشكّ في الوجوب التعييني ، سواء كان أصليّا أو عرضيّا كالواجب المخيّر المتعيّن لأجل الانحصار ، أمّا لو شك في الوجوب التخييري والإباحة فلا تجري فيه أدلّة البراءة ؛ لظهورها في عدم تعيين الشيء (١٣٥٥) المجهول على المكلّف بحيث يلتزم به ويعاقب عليه.
______________________________________________________
١٣٥٥. الأولى أن يقال بدله : لأنّ مفادها عدم تعيين الشيء ، ليشمل الدليل العقلي أيضا ، إذ لا معنى لدعوى الظهور بالنسبة إلى العقل.
وكيف كان فلا يفيد شيء من أدلّة البراءة نفي الوجوب التخييري من حيث هو ، وإن أفاد نفي التعيين بالعرض. أمّا دليل العقل ، فلأنّ غايته في باب البراءة هو الحكم بقبح العقاب بلا بيان لا نفي الخطاب الواقعي ، فإذا شكّ في كون فعل مباحا أو واجبا مخيّرا بينه وبين فعل آخر معلوم الوجوب في الجملة ، وتركه المكلّف ، فلا يخلو : إمّا أن يترك معه الفعل الآخر أيضا أو لا. فعلى الأوّل لا معنى لنفي العقاب ، للعلم به إجمالا لأجل ترك واجب واقعي ، وإن لم يعلم بجهة العقاب. وكذا على الثاني لا مسرح لحكم العقل فيه ، للعلم بعد العقاب حينئذ بجواز ترك أحد فردي الواجب المخيّر مع العلم بوجوبه مع اختيار فرد آخر منهما ، فضلا عن صورة الشكّ فيه. نعم ، لو تعذّر الفرد الآخر الذي علم بوجوبه إجمالا أمكن نفي وجوب الفرد المشكوك فيه بالأصل ، إلّا أنّ المنفي حينئذ هو وجوبه التعييني العارضي المحتمل لأجل تعذّر الفرد الآخر ، لا وجوبه التخييري ، وهو خارج من محلّ الكلام.
وأمّا الأدلّة النقليّة ، فلأنّ المنساق منها هو نفي الضيق عن المكلّف في التكاليف المجهولة ، ولا ريب أنّ نفي وجوب الفرد المشكوك فيه لا يوجب توسعة عليه ، بل هو موجب للضيق عليه ، لأجل تعيّن الإتيان بالفرد الآخر عليه حينئذ بنفي وجوب الفرد المشكوك فيه.