المصلّي إذا سلّم على جماعة وهو منهم ـ يظهر ممّا ذكرنا ، فافهم.
المسألة الثانية : فيما اشتبه حكمه الشرعيّ من جهة إجمال اللفظ كما إذا قلنا باشتراك لفظ «الأمر» بين الوجوب والاستحباب أو الإباحة. والمعروف هنا عدم وجوب الاحتياط ، وقد تقدّم عن المحدّث العاملي في الوسائل : أنّه لا خلاف في نفي الوجوب عند الشكّ في الوجوب ، ويشمله أيضا معقد إجماع المعارج (١٤).
______________________________________________________
الواقع لو كان فيه ما يوجبه ، وأمّا دلالته على قبح التكليف بما لم يوعد العقاب على فعله أو تركه فلا. وحينئذ لو فرض في الواقع واجب لا يترتّب على موافقته ثواب ولا على مخالفته عقاب ، مثل الواجبات التبعيّة المستفاد خطابها من خطاب ذي المقدّمة على القول بها ، لا يستقلّ العقل بنفيها عند الشكّ فيها. وكذا الكلام في الاستحباب والكراهة. والتمسّك في ذلك بقبح خطاب الجاهل يدفعه حسن الاحتياط يقينا ، فيجوز للشارع أن يكتفي من بيان ما لم يوعد عليه بما هو معلوم عند الجاهل من حسن الاحتياط. هذا إذا لم يكن الأمر فيه دائرا بين المحذورين ، كالاستحباب والكراهة. وسيجيء حكم الدوران بينهما في محلّه إن شاء الله تعالى.
وإذا حقّقت ذلك فاعلم : أنّ الصورة الأصليّة ـ أعني : صورة إجراء البراءة بالنسبة إلى زمن الحضور ـ خارجة من محلّ كلام المنازعين في أصالة البراءة ، لأنّ مبناها حينئذ على قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولم يتمسّك به أحد في إثبات اعتباره سوى المحقّق القمّي رحمهالله في بعض كلماته ، وقد خطّأه المصنّف رحمهالله في بعض كلماته الآتية.
فمقصودهم منها إنّما هو إجرائها بالنسبة إلى أمثال زماننا التي قد صدر عن الشارع فيها بيان جميع الأحكام حتّى أرش الخدش ، إلّا أنّه منعت الحوادث من وصولها إلينا ، وقد عرفت أنّ غاية ما يستقلّ العقل بنفيه فيها هو مجرّد نفي العقاب. وحينئذ نقول : إنّ القائل بالبراءة مطلقا ، سواء كانت في مورد الحكم الإلزامي أم غيره ، إن أراد إجرائها بالنسبة إلى زمن الحضور فقد عرفت خروجه من محلّ الكلام. وإن أراد إجرائها بالنسبة إلى أمثال هذا الزمان ، فقد عرفت عدم نهوضها حينئذ لنفي الاستحباب والكراهة.