التخيير.
وأمّا أولويّة دفع المفسدة فهي مسلّمة (١٤٢٧) ، لكنّ المصلحة الفائتة بترك الواجب أيضا مفسدة ؛ وإلّا لم يصلح للإلزام ؛ إذ مجرّد فوات (*) المنفعة عن الشخص وكون حاله بعد الفوت كحاله فيما قبل الفوت (**) ، لا يصلح وجها لإلزام شىء على المكلّف ما لم يبلغ حدّا يكون في فواته مفسدة ؛ وإلّا لكان أصغر المحرّمات أعظم من ترك أهمّ الفرائض مع أنّه جعل ترك الصلاة أكبر الكبائر.
وبما ذكر يبطل قياس ما نحن فيه على دوران الأمر بين فوت المنفعة الدنيويّة وترتّب المضرّة الدنيويّة ؛ فإنّ فوات النفع من حيث هو نفع لا يوجب ضررا. وأمّا
______________________________________________________
١٤٢٧. حاصله : تسليم استقلال العقل بوجوب دفع المفسدة وأولويّته بالنسبة إلى جلب المنفعة عند التعارض. ولكنّه إنّما هو فيما لم تكن في فوت المنفعة مفسدة مساوية للمفسدة المحتملة أو أقوى منها ، وإلّا يمنع استقلاله بوجوب دفعها ، وما نحن فيه من هذا القبيل.
وأنت خبير بأنّه يمكن منع كون المصالح والمفاسد الواقعيّة من قبيل العلل للأحكام ، لاحتمال كونها من قبيل المقتضيات المشروط تأثيرها بشرط مفقود ، ولو كان هو علم المكلّف بسنخ التكليف تفصيلا أو إجمالا ، ولا ريب في عدم استقلال العقل بوجوب دفعها ولو مع عدم المعارضة. ومع التسليم ربّما تمنع كلّية الكبرى ، إذ ربّ منفعة تقدّم عند العقلاء على المفسدة ، كما إذا كانت المنفعة كثيرة في الغاية ، والمفسدة قليلة في النهاية.
وفيه : أنّ المصلحة وإن بلغت ـ ما بلغت ما لم تبلغ مرتبة الإلزام التي يتضمّن فوتها المفسدة ـ لا تعارض المفسدة التي يستقلّ العقل بوجوب دفعها ، ومع بلوغها إليها تكون من جملة أفراد ما نحن فيه. وأمّا ما ترى من اقتحام كثير من
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «فوات» ، فوت.
(**) في بعض النسخ : بدل «الفوت» ، الواجب عليه.