بعد الأخذ بأحدهما. نعم ، يمكن هنا استصحاب التخيير ؛ حيث إنّه ثبت (*) بحكم الشارع القابل للاستمرار ، إلّا أن يدّعى أنّ موضوع المستصحب أو المتيقّن من موضوعه هو المتحيّر ، وبعد الأخذ بأحدهما لا تحيّر ، فتأمّل (١٤٣٩).
______________________________________________________
١٤٣٩. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى منع زوال التحيّر بمجرّد الأخذ بأحدهما إلّا بعد ثبوت كونه بعد الأخذ به حكما ظاهريّا متعيّنا عليه ، وهو أوّل الكلام. أو إشارة إلى كون الأمر في بقاء الموضوع في باب الاستصحاب مبنيّا على العرف ، والموضوع عرفا في المقام هو المكلّف ، وزوال التحيّر من قبيل تغيّر حالات الموضوع لا نفسه. أو إلى منع كون الموضوع هو المتحيّر ، بل هو المكلّف ، وإن سلّم كون التحيّر سببا لعروض الحكم ، إذ لا ريب في انتفائه بعد ثبوت التخيير بالأخبار وقبل الأخذ بأحد المتعارضين. وبعبارة اخرى : أنّ التحيّر على تقدير تسليم كونه جزءا من موضوع التخيير ، فهو إنّما هو في عروض الحكم وحدوثه لا في بقائه ، والشكّ أيضا إنّما هو في كون الأخذ بأحدهما معيّنا للمأخوذ وعدمه ، لا في كون التحيّر جزءا منه وعدمه. وحينئذ يصحّ استصحاب الحكم من دون غائلة فيه. نعم ، قد تقدّم في المسألة الاولى ما يناقش فيه ويدفعه ، فراجع.
وبقي في المقام شيء ، وهو أنّه حيث حكمنا بالتخيير في مسائل الشبهة الحكميّة ، هل يجب على المجتهد أن يفتي المقلّد بما اختاره ، أو يجوز له الفتوى بالتخيير؟ فيه وجهان ، من كون المجتهد نائبا عن المقلّد في استنباط الأحكام واستفادتها من الأدلّة ، ولذا لا يعتدّ بشكّه في موارد الاصول التي يتفرّع عليها الأحكام الكلّية ، فما ترجّح في نظره فهو حكمه ، ولا بدّ له من الإفتاء به. ومن أنّ القدر الثابت من الأدلّة رجوع المقلّد إلى المجتهد وتقليده له في ما ثبت له بالأدلّة ، ولا ريب أنّ تخيّر المجتهد عقلا أو شرعا في الأخذ بأحد الاحتمالين أو الخبرين ليس حكما شرعيّا له من قبل الشارع ، بل هو توسعة له من قبل الشارع في اختياره
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «ثبت» ، يثبت.