ومنها : قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ) (١٢) (١١٠٨) أي : ما يجتنبونه من الأفعال والتروك. وظاهرها : أنّه تعالى لا يخذلهم بعد هدايتهم إلى الإسلام إلّا بعد ما يبيّن لهم. وعن الكافي وتفسير العياشي وكتاب التوحيد : (١٣) «حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه». وفيه ما تقدّم في الآية السابقة ، مع أنّ دلالتها أضعف من حيث إنّ توقّف الخذلان على البيان غير ظاهر الاستلزام للمطلب ، اللهمّ إلّا بالفحوى.
______________________________________________________
نفي فعليّة التعذيب ـ كما هو مقتضى الآية ـ لا ينفيها.
١١٠٨. هذه الآية في سورة التوبة. وتقريب الاستدلال : أنّ المراد بقوله : (لِيُضِلَ) إمّا هو الحكم بالضلالة ، أو التعذيب في الدنيا والآخرة ، والوجهان يظهران من بعض المفسّرين ، أو الخذلان في مقابل الهداية والتوفيق ، كما يظهر من المصنّف رحمهالله. وهذه الامور كلّها مرتّبة على معصيته سبحانه ، فإذا نفتها الآية قبل بيان ما يجب اجتنابه من الأفعال والتروك ثبت عدم تحقّق المعصية والمخالفة قبل وصول البيان من الشارع ، وإن كان الفعل المأتيّ به محتملا للحرمة في الواقع والمتروك للوجوب كذلك.
والمصنّف رحمهالله قد حمل الآية على الوجه الثالث ، وأجاب عنها تارة بما تقدّم في سابقتها من كونها إخبارا عن عادته تعالى في الأمم الماضية. واخرى بمنع استلزام توقّف الخذلان على البيان لتوقّف تنجّز التكليف عليه كما هو المدّعى ، وذلك لأنّ معنى الآية : ما كان الله ليخذل قوما بسلب أسباب التوفيق والتوكيل إلى النفس فيما يتعلّق بالمعاش والمعاد إلّا بعد بيان الواجبات والمحرّمات. وعليه ، تكون مرتبة الخذلان بعد بيان الأحكام ، إلّا أنّ الآية لا تدلّ على عدم التكليف قبل البيان ، لوضوح عدم استلزام توقّف الخذلان عليه ـ كما هو ظاهر الآية ـ لتوقّف التكليف عليه. اللهمّ إلّا أن يتمسّك بالفحوى ، بأن يقال : إنّ الخذلان إذا توقّف علي البيان فتوقّف التعذيب الذي هو أشدّ منه عليه بطريق أولى.