النجس يراد به ما يعمّ الاجتناب عن ملاقيه ولو بوسائط ؛ ولذا استدلّ السيّد أبو المكارم في الغنية على تنجّس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دلّ على وجوب هجر النجاسات في قوله تعالى : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) (٩) ، ويدلّ عليه أيضا ما في بعض الأخبار من استدلاله عليهالسلام على حرمة الطعام الذي مات فيه فأرة ب «أنّ الله سبحانه حرّم الميتة» ، فإذا حكم الشارع بوجوب هجر كلّ واحد من المشتبهين فقد حكم بوجوب هجر كلّ ما لاقاه. هذا معنى ما استدلّ به العلّامة قدسسره في المنتهى على ذلك : بأنّ الشارع أعطاهما حكم النجس ؛ وإلّا فلم يقل أحد (١٥٢٨) : إنّ كلّا من المشتبهين بحكم النجس في جميع آثاره أو أنّ الاجتناب عن النجس لا يراد به إلّا الاجتناب عن العين ، وتنجّس الملاقي للنجس حكم وضعي سببي يترتّب على العنوان الواقعي من النجاسات نظير وجوب الحدّ للخمر ، فإذا شكّ في ثبوته للملاقي جرى فيه أصل الطهارة وأصل الإباحة.
والأقوى هو الثاني ، أمّا أوّلا (١٥٢٩) فلما ذكر ، وحاصله منع ما في
______________________________________________________
لأجل المعارضة بالأصل الجاري في الملاقى بالفتح. نعم ، هو إنّما يعارض الأصل الجاري في الملاقي بالكسر مع قطع النظر عن هذه المعارضة لا معها. إلّا أن يقال : إنّ هذا إنّما يتمّ فيما حصلت الملاقاة بعد العلم الإجمالي ، وأمّا لو حصلت قبله فالأصل في صاحب الملاقي يعارض الأصل الجاري في المتلاقيين معا لا محالة. ومن هنا يمكن التفصيل في المسألة بين حصول الملاقاة بعد العلم الإجمالي وقبله. والمسألة محتاجة إلى مزيد تأمّل. وهذا ما يخطر بالبال في العاجل ، لعلّ الله تعالى يوفّقنا لما هو أدقّ وأتقن في الآجل ، وستعرف تتمّة ما يتعلّق بالمقام في الحواشي الآتية.
١٥٢٨. قال في المدارك : «قولهم : إنّ المشتبه بالنجس بحكم النجس ، لا يريدون به من جميع الوجوه ، بل المراد صيرورته بحيث يمنع استعماله في الطهارة خاصّة. ولو صرّحوا بإرادة المساواة من كلّ وجه كانت دعوى خالية من الدليل» انتهى.
١٥٢٩. لا يذهب عليك أنّه ليس في كلامه معادل لذلك. واستدلّ في الجواهر أيضا على هذا القول برجوع الشبهة في الملاقي بالكسر إلى الشبهة في غير المحصور ، فيكون حاله حال محتمل النجاسة.