وحاصله : ثبوت التكليف بالواقع من الطريق الذي رخّص الشارع في امتثاله منه ، وهو ترك باقي المحتملات. وهذا نظير جميع الطرق الشرعيّة المجعولة للتكاليف الواقعيّة ، ومرجعه إلى القناعة (١٥٣٩) عن الواقع ببعض محتملاته معيّنا كما في الأخذ بالحالة السابقة في الاستصحاب ، أو مخيّرا كما في موارد التخيير.
وممّا ذكرنا تبيّن أنّ مقتضى القاعدة عند انسداد باب العلم التفصيلي بالأحكام الشرعيّة وعدم وجوب تحصيل العلم الإجمالي فيها بالاحتياط ـ لمكان الحرج أو قيام الإجماع على عدم وجوبه ـ : أن يرجع فيما عدا البعض المرخّص في ترك الاحتياط فيه أعني موارد الظنّ مطلقا أو في الجملة إلى الاحتياط ، مع أنّ بناء أهل الاستدلال بدليل الانسداد بعد إبطال الاحتياط (١٥٤٠) ووجوب العمل بالظنّ مطلقا أو في الجملة ـ على الخلاف بينهم ـ على الرجوع في غير موارد الظنّ المعتبر إلى الاصول الموجودة في تلك الموارد دون الاحتياط.
نعم ، لو قام بعد بطلان وجوب الاحتياط دليل عقلي أو إجماع على وجوب كون الظنّ ـ مطلقا أو في الجملة ـ حجّة وطريقا في الأحكام الشرعيّة ، أو منعوا أصالة وجوب الاحتياط عند الشكّ في المكلّف به ، صحّ ما جروا عليه من الرجوع في موارد عدم وجود هذا الطريق إلى الاصول الجارية في مواردها. لكنّك خبير بأنّه لم يقم ولم يقيموا على وجوب اتّباع المظنونات إلّا بطلان الاحتياط ، مع اعتراف أكثرهم بأنّه الأصل في المسألة وعدم جواز ترجيح المرجوح ، ومن المعلوم أنّ هذا
______________________________________________________
١٥٣٩. فيه نوع مسامحة ، لأنّ مرجع اعتبار الظنون الخاصّة إلى تنزيل مؤدّياتها منزلة نفس الواقع ، لا إلى القناعة في مواردها على بعض محتملات الواقع. والفرق بينهما واضح ، ولذا لا يجب الاحتياط في الموارد الخالية منها عند انفتاح باب العلم.
١٥٤٠. يعني : إبطال وجوبه والمراد بوجوب العمل بالظنّ هو مقابل عدم جواز العمل بالشكّ والوهم ، وإلّا فلا ريب في عدم وجوبه ، وجواز الاحتياط في موارده ـ طابقه أو خالفه ـ لكون العمل بالظنّ بعد الانسداد رخصة لا عزيمة.