وقبل الشروع في بيان حكمهما لا بدّ من الكلام في القضيّة المشهورة (٢٧٨٠) ، وهي أنّ الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح (٢٧٨١). والمراد بالطرح على الظاهر المصرّح به في كلام بعضهم وفي معقد إجماع بعض آخر ، أعمّ من طرح أحدهما لمرجّح في الآخر ، فيكون الجمع مع التعادل أولى من التخيير ، ومع وجود المرجّح أولى من الترجيح.
______________________________________________________
وقد يستند في إثبات جواز تعارض القطعيّين إلى أنّه يمكن أن يكون مدلول أحد الدليلين حكما واقعيّا والآخر ظاهريّا ، كالأحكام المجعولة في مقام التقيّة. وفيه ما لا يخفى ، لعدم تحقّق التعارض على هذا الفرض ، لاختلاف موضوع الدليلين حينئذ ، وهو واضح.
٢٧٨٠. هذه القضيّة مشهورة بين الفقهاء والاصوليّين ، لا سيّما المتقدّمون منهم ، وقد نسبها المحقّق القمّي رحمهالله إلى العلماء من دون نقل خلاف فيها ، مؤذنا بدعوى الاتّفاق عليها. قال : قالوا : إنّ العمل بهما من وجه أولى من إسقاط أحدهما بالكلّية. وأرسل القول بأولويّة الجمع من دون تعرّض للخلاف أيضا العلّامة في التهذيب ، والسيّد عميد الدين في المنية ، والشهيد الثاني في تمهيد القواعد ، بحيث يشعر بكونها من المسلّمات فيما بينهم ، بل قد ادّعى الشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي عليه الإجماع ، كما نقله عنه المصنّف رحمهالله.
٢٧٨١. المراد بالأولويّة معنى اللزوم والتعيّن ، كما في قوله تعالى : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) لا معنى التفضيل ، ولذا قال في التهذيب : وإن أمكن العمل بكلّ واحد منهما من وجه دون وجه تعيّن. وبالجمع هو الجمع بحسب الدلالة بعد الأخذ بسندهما ، كما أشار إليه المصنّف رحمهالله. وحكمهم بأولويّة الجمع أعمّ ممّا كان الجمع محتاجا إلى التصرّف في ظاهر كلّ واحد منهما ، أو أحدهما غير المعيّن ، أو أحدهما المعيّن. وبعبارة اخرى : أنّه أعمّ ممّا كان محتاجا إلى شاهدين في الجمع كما في المتباينين ، أو إلى شاهد واحد كالعامّين