من تعريفه لا يكون في الأدلّة القطعيّة ؛ لأنّ حجّيتها إنّما هي من حيث صفة القطع ، والقطع بالمتنافيين أو بأحدهما مع الظنّ بالآخر غير ممكن.
ومنه يعلم عدم وقوع التعارض بين دليلين يكون حجّيتهما باعتبار صفة الظنّ الفعلي ؛ لأنّ اجتماع الظنّين بالمتنافيين محال ، فإذا تعارض سببان للظنّ الفعلي ، فإن بقي الظن في أحدهما فهو المعتبر ، وإلّا تساقطا.
وقولهم : " إنّ التعارض لا يكون إلّا في الظنّين" ، يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث إفادة نوعهما الظنّ. وإنّما أطلقوا القول في ذلك ؛ لأنّ أغلب الأمارات بل جميعها عند جلّ العلماء بل ما عدا جمع ممّن قارب عصرنا (١) ، معتبرة من هذه الحيثيّة ، لا لإفادة الظنّ الفعلي بحيث يناط الاعتبار به. ومثل هذا في القطعيّات غير موجود ؛ إذ ليس هنا ما يكون اعتباره من باب إفادة نوعه القطع ؛ لأنّ هذا يحتاج إلى جعل الشارع ، فيدخل حينئذ في الأدلّة الغير القطعيّة ؛ لأنّ الاعتبار في الأدلّة القطعيّة من حيث صفة القطع فهي في المقام منتفية ، فيدخل في الأدلّة الغير القطعية ، أنّ المراد من الدليل هو ما يكون اعتباره بجعل الشارع واعتباره.
إذا عرفت ما ذكرناه ، فاعلم أنّ الكلام في أحكام التعارض يقع في مقامين ؛ لأنّ المتعارضين إمّا أن يكون لأحدهما مرجّح على الآخر ، وإمّا أن لا يكون ، بل يكونان متعادلين متكافئين.
______________________________________________________
على طريقتهم في الفقه والاصول ، فلا بدّ أن يكون مرادهم بالظنّيين هو النوعيّين خاصّة.
قوله : «إنّ التعارض على وجه الترجيح يمكن في المختلفين» فيه : أنّه إن أراد بترجّح القطعي على الظنّي ترجّحه عليه مع فرض حصول القطع من القطعي والظنّ من الظنّي ولكنّ القطع مرجّح على الظنّ ، ففيه : أنّ التعارض فرع تمانع الدليلين ، وقد عرفت عدم إمكان حصول الظنّ الشخصي على خلاف القطع ، وعدم وجود المقتضي للتعارض في الظنّ النوعي مطلقا ولا مقيّدا في مقابل القطع. وإن أراد بترجّحه عليه مجرّد تقدّمه عليه ولو لأجل عدم وجود المقتضي للتعارض في الظنّي للقطعي ، ففيه : أنّ هذا ليس ترجيحا مصطلحا في هذا الباب ولا لغة أيضا كما لا يخفى.