هو العرف ، ولا شكّ في حكم العرف وأهل اللسان بعدم إمكان العمل بقوله : " أكرم العلماء" و" لا تكرم العلماء" نعم ، لو فرض علمهم بصدور كليهما حملوا أمر الآمر بالعمل بهما على إرادة ما يعمّ العمل بخلاف ما يقتضيانه بحسب اللغة والعرف.
ولأجل ما ذكرنا وقع من جماعة من أجلاء الرواة السؤال عن حكم الخبرين المتعارضين ، مع ما هو مركوز في ذهن كلّ أحد من أنّ كلّ دليل شرعيّ يجب العمل به مهما أمكن ؛ فلو لم يفهموا عدم الإمكان في المتعارضين لم يبق وجه للتحيّر الموجب للسؤال. مع أنّه لم يقع الجواب في شىء من تلك الأخبار العلاجيّة بوجوب الجمع بتأويلهما معا. وحمل مورد السؤال على صورة تعذّر تأويلهما ولو بعيدا تقييد بفرد غير واقع في الأخبار المتعارضة. وهذا دليل آخر على عدم كلّية هذه القاعدة.
هذا كلّه ، مضافا إلى مخالفتها للإجماع ؛ فإنّ علماء الإسلام من زمن الصحابة إلى يومنا هذا لم يزالوا يستعملون المرجّحات في الأخبار المتعارضة بظواهرها ، ثم اختيار أحدهما وطرح الآخر من دون تأويلهما معا لأجل الجمع.
وأمّا ما تقدّم من عوالي اللآلي ، فليس نصّا ، بل ولا ظاهرا في دعوى تقديم الجمع بهذا النحو على التخيير والترجيح ؛ فإنّ الظاهر من الإمكان في قوله : " فإن أمكنك التوفيق بينهما" ، هو الإمكان العرفي في مقابل الامتناع العرفي بحكم أهل اللسان ، فإنّ حمل اللفظ على خلاف ظاهره بلا قرينة غير ممكن عند أهل اللسان ، بخلاف حمل العام والمطلق على الخاص والمقيّد. ويؤيّده قوله أخيرا : " فإذا لم تتمكّن من ذلك ولم يظهر لك وجهه فارجع إلى العمل بهذا الحديث" ؛ فإنّ مورد عدم التمكّن ولو بعيدا نادر جدّا. وبالجملة : فلا يظنّ بصاحب العوالي ولا بمن هو دونه أن يقتصر في الترجيح على موارد لا يمكن تأويل كليهما ، فضلا عن دعواه الإجماع على ذلك.
والتحقيق الذي عليه أهله : أنّ الجمع بين الخبرين المتنافيين بظاهرهما على أقسام ثلاثة : أحدها : ما يكون متوقّفا على تأويلهما معا. والثاني : ما يتوقّف على تأويل أحدهما المعيّن. والثالث : ما يتوقّف على تأويل أحدهما لا بعينه.