وأمّا الثالث ، فمن أمثلته : العامّ والخاصّ من وجه ، حيث يحصل الجمع بتخصيص أحدهما مع بقاء الآخر على ظاهره. ومثل قوله : " اغتسل يوم الجمعة" ، بناء على أنّ ظاهر الصيغة الوجوب. وقوله : " ينبغي غسل الجمعة" ، بناء على ظهور
______________________________________________________
استقبالا». وحكاه عن المشهور ، قال : «خلافا للإسكافي ، فلا إعادة في الرابعة إن جلس بعدها بقدر التشهّد ، واختاره الفاضلان في المعتبر والتحرير والمختلف للصحيحين». ثمّ أجاب عنهما بعد كلام له في البين بحملهما على التقيّة ، قال : «كما صرّح به جماعة حاكين القول بمضمونهما عن أبي حنيفة ، المشهور رأيه في جميع الأزمنة ، وعليه أكثر العامّة» انتهى.
وأنت خبير بأنّ الصحيحين خاصّان بالنسبة إلى العمومات المذكورة ، فلا وجه لملاحظة المرجّحات بينهما. فالأولى في وجه تقديم العمومات عليهما أن يقال بأنّ إعراض المشهور عن العمل بالخبر ـ ولو كان صحيح السند ـ يسقطه عن مرتبة الاعتبار ، وقد عرفت عدم عملهم بهما ، فلا يبقى مقتض للعمل حتّى يجمع بينهما وبين العمومات.
فإن قلت : قد صرّح جماعة من الأصحاب أنّ العامّ قد يقدّم على الخاصّ ، فلا بدّ أن يكون ذلك بعد اعتبار سندهما لأجل بعض المرجّحات ، فكيف تنكر ذلك؟
قلت : إنّما نسلّم تقديم العامّ على الخاصّ في مقامين :
أحدهما : أن يبلغ حكم العامّ في الوضوح والاشتهار إلى أن يقرب من ضروريّات المذهب وإن لم يصر ضروريّا ، فلا يجوز تخصيص مثل هذا العامّ بخبر أو خبرين ، إلّا إذا اكتسى المخصّص بسبب القرائن الخارجة من القوّة مرتبة يصلح لتخصيصه.
وثانيهما : أن يكون الخاصّ موهونا ببعض الامور الخارجة ، مثل إعراض المشهور ونحوه ، فلا يصلح للتخصيص. ولا دليل على تقديم العمومات في غير هذين المقامين ، وإن اقترنت ببعض مرجّحات السند أيضا.