هذه المادّة في الاستحباب ، فإنّ الجمع يحصل برفع اليد عن ظاهر أحدهما. وحينئذ ، فإن كان لأحد الظاهرين مزيّة وقوّة (٢٧٩٠) على الآخر ـ بحيث لو اجتمعا في كلام واحد ، نحو رأيت أسدا يرمي ، أو اتّصلا في كلامين لمتكلّم واحد ، تعيّن العمل (٢٧٩١) بالأظهر وصرف الظاهر إلى ما لا يخالفه ـ كان حكم هذا حكم القسم الثاني في أنّه إذا تعبّدنا بصدور الأظهر يصير قرينة صارفة للظاهر من دون عكس.
نعم ، الفرق بينه وبين القسم الثاني أنّ التعبّد بصدور النص لا يمكن إلّا بكونه صارفا عن الظاهر ، ولا معنى له غير ذلك ؛ ولذا ذكرنا دوران الأمر فيه بين طرح دلالة الظاهر وطرح سند النص ، وفيما نحن فيه يمكن التعبّد بصدور الأظهر وإبقاء الظاهر على حاله وصرف الأظهر ؛ لأنّ كلا من الظهورين مستند إلى أصالة الحقيقة ، إلّا أنّ العرف يرجّحون أحد الظهورين على الآخر ، فالتعارض موجود والترجيح بالعرف (٢٧٩٢) بخلاف النص والظاهر.
وأمّا لو لم يكن لأحد الظاهرين مزيّة على الآخر ، فالظاهر أنّ الدليل المتقدّم في الجمع وهو ترجيح التعبّد بالصدور على أصالة الظهور غير جار هنا ؛ إذ لو جمع بينهما وحكم باعتبار سندهما وبأنّ أحدهما لا بعينه مؤوّل لم يترتّب على ذلك أزيد من الأخذ بظاهر أحدهما ، إمّا من باب عروض (٢٧٩٣)
______________________________________________________
٢٧٩٠. يعني : بحسب الدلالة ، لأنّ الجمع العرفي مقدّم على الترجيح بمرجّحات السند.
٢٧٩١. جواب «لو» وقوله «كان» جزاء «إن» الشرطيّة.
٢٧٩٢. قال في الحاشية : «بعد إحراز الترجيح العرفي للأظهر يصير كالنصّ ، ويعامل معه معاملة الحاكم ، لأنّه يمكن أن يصير قرينة للظاهر ، ولا يصلح أن يكون الظاهر قرينة له ، بل لو اريد التصرف فيه احتاج إلى قرينة من الخارج ، فالأصل عدمها ، فافهم» انتهى.
٢٧٩٣. سيجيء تحقيق أنّا إن قلنا باعتبار الظواهر من باب الطريقيّة فمقتضى الأصل تساقط المتعارضين منها ، لخروج الطريق من كونه طريقا بمزاحمة