وأمّا إذا كان لفظا (٢٨١٠) ؛ فلعدم إمكان إرادة المتعارضين من عموم ذلك اللفظ ؛ لأنّه يدلّ على وجوب العمل عينا بكلّ خبر مثلا ، ولا ريب أنّ وجوب العمل عينا بكلّ من المتعارضين ممتنع ، والعمل بكلّ منهما تخييرا لا دليل عليه ؛ إذ
______________________________________________________
لاختيار المكلّف في ذلك ، بأن تخيّر المكلّف في الحكم بتنجّس الماء القليل بالملاقاة وعدمه إذا فرض تعارض الدليلين فيه ، أو تخيّر في الحكم بصحّة عقد وفساده كذلك ، أو في الحكم بكون الإتلاف سببا للضمان وعدمه ، وهكذا.
وأمّا الثاني ، فإنّ التخيير العقلي إنّما هو فيما علم بحقيّة أحد الدليلين وبطلان الآخر كما تقدّم سابقا ، وهو مستلزم للقول بالترجيح بلا مرجّح ، لأنّ الكلام في المقام في تعادل الدليلين ، بمعنى تساويهما في استجماعهما لجميع شرائط الحجّية وفي جميع جهات الترجيح. وحينئذ إن اريد بحجّية أحدهما كون مدلول أحدهما مطابقا للحكم الواقعي دون الآخر ، ففيه : مع كونه تحكّما أنّه خلاف الفرض ، لاحتمال مخالفة كلّ منهما للواقع ، إذ الفرض عدم العلم بانحصار الواقع في مدلولهما. وإن اريد بها اعتبار أحدهما بحسب جعل الشارع ، ففيه : أنّ الفرض تساويهما في شمول أدلّة اعتبارهما ، فالقول بحجّية أحدهما المعيّن في الواقع ترجيح بلا مرجّح.
فظهر ممّا ذكرناه صحّة ما قدّمناه من عدم صحّة الحصر إلّا فيما كان تعارض الدليلين في حكم وضعي ، أو كان المراد بالتخيير هو التخيير العقلي دون الشرعيّ. ولكنّهما خلاف الفرض. أمّا الأوّل فلعدم انحصار مورد التعارض فيه ، سيّما على المختار من كون الأحكام الوضعيّة منتزعة من الأحكام الطلبيّة لا مجعولة. وأمّا الثاني فإنّ المراد بالتخيير هنا هو الشرعيّ دون العقلي كما سيجيء.
٢٨١٠. قد يستند في منع شمول الأدلّة اللفظيّة للمتعارضين إلى دعوى انصرافها إلى غير صورة التعارض. ويعضده وقوع السؤال عن حكم المتعارضين في أخبار العلاج ، إذ لو كانت الأدلّة شاملة لصورة التعارض لم يحتج إلى السؤال عنها ، لاستقلال العقل حينئذ بالتخيير.