ليس في العقل ما يدلّ على خلاف ذلك ، ولا يستبعد وقوعه ـ كما لو تغيّر اجتهاده ـ إلّا أن يدلّ دليل شرعيّ خارج على عدم جوازه ، كما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله (٢٨٣٠) قال لأبي بكر : " لا تقض في الشيء الواحد بحكمين مختلفين".
أقول : يشكل الجواز ؛ لعدم الدليل عليه (٢٨٣١) ؛
______________________________________________________
٢٨٣٠. يحتمل أن يريد به النهي عن القضاء في القضيّة الشخصيّة بحكمين مختلفين ، فلا يكون لهذه الرواية مدخل فيما نحن فيه.
٢٨٣١. ممّا ذكره يظهر الكلام في غير مقام الحكومة والقضاء أيضا ، إذ الخلاف في كون التخيير استمراريّا أو ابتدائيّا آت في مقام الإفتاء أيضا. وتوضيحه : أنّه قد يستدلّ على الأوّل بوجوه :
أحدها : إطلاق الأخبار الدالّة على ثبوت التخيير ، لأنّها بإطلاقها تشمل صورة الأخذ بأحدهما أيضا.
وثانيها : حكم العقل به ، إذ مناط حكمه بالتخيير ابتداء وقبل الأخذ بأحد المتعارضين إنّما هو تحيّره في مقام العمل لأجل تكافؤ الدليلين المتعارضين ، وهذا المناط موجود بعد الأخذ بأحدهما أيضا ، إذ مجرّد الأخذ أحدهما لا يصيّره حقّا وراجحا على الآخر ، فالعقل كما يحكم بالتخيير قبل الأخذ بأحدهما كذلك بعده ، لبقاء مناط حكمه بعده أيضا بالفرض.
وثالثها : استصحاب حكم التخيير.
وقد أشار المصنّف رحمهالله إلى ضعف جميع هذه الوجوه.
أمّا الأوّل فبمنع الإطلاق ، لأنّها مسوقة لبيان وظيفة المتحيّر في ابتداء الأمر ، فلا إطلاق فيها بالنسبة إلى حال المتحيّر بعد الالتزام بأحدهما. وبعبارة اخرى : أنّها واردة لبيان أصل شرعيّة التخيير للمتحيّر ، فلا دلالة فيها على كونه ابتدائيّا أو استمراريّا. نعم ، الأوّل هو المتيقّن منها.