الحكم الشرعي ، مع أنّ حكمه ـ وهو البناء على الحالة السابقة ـ مشترك بينه وبين المقلّد ؛ لأنّ الشكّ هناك في نفس الحكم الفرعي المشترك وله حكم مشترك ، والتحيّر هنا في الطريق إلى الحكم ، فعلاجه بالتخيير مختصّ بمن يتصدّى لتعيين الطريق ، كما أنّ العلاج بالترجيح مختصّ به.
فلو فرضنا أنّ راوي أحد الخبرين عند المقلّد أعدل وأوثق من الآخر ؛ لأنّه أخبر وأعرف به ، مع تساويهما عند المجتهد أو انعكاس الأمر عنده ، فلا عبرة بنظر المقلّد (٢٨٢٨). وكذا لو فرضنا تكافؤ قولي اللغويين في معنى لفظ الرواية ، فالعبرة بتخيّر المجتهد ، لا تخيّر المقلّد بين حكم يتفرّع على أحد القولين وآخر يتفرّع على الآخر. والمسألة محتاجة إلى التأمّل ، وإن كان وجه المشهور أقوى (٢٨٢٩).
هذا حكم المفتي. وأمّا الحاكم والقاضي ، فالظاهر كما عن جماعة : أنّه يتخيّر أحدهما فيقضي به ؛ لأنّ القضاء والحكم عمل له لا للغير فهو المخيّر ، ولما عن بعض من أنّ تخيّر المتخاصمين لا يرتفع معه الخصومة. ولو حكم على طبق إحدى الأمارتين في واقعة ، فهل له الحكم على طبق الاخرى في واقعة اخرى؟ المحكيّ عن العلّامة رحمهالله وغيره : الجواز ، بل حكي نسبته إلى المحققين ؛ لما عن النهاية : من أنّه
______________________________________________________
إفهامه لمؤدّاهما وتعارضهما وتعادلهما يتحيّر في العمل بهما ، غاية الأمر أنّه عاجز عن القيام بجميع جهات العمل بهما ، والمجتهد متحيّر من حيث تعارضهما وتعادلهما. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المتبادر من أخبار التخيير أنّ المأخوذ في موضوعه هو تحيّر من يتمكّن من العمل بهما لو لا معارضتهما ، لا مطلق المتحيّر والجاهل بالحكم.
٢٨٢٨. لا يخفى أنّ جواز تقليد المجتهد الذي انكشف خطائه عند مقلّده في بعض مقدّمات اجتهاده على سبيل القطع في غاية الإشكال ، بل الظاهر تعيّن تقليد غيره من المجتهدين الذين لم يكونوا كذلك.
٢٨٢٩. يظهر وجهه ممّا قدّمناه.